06 أكتوبر 2009



عن فيلم "ريتشل" إخراج سيمون بيطون


من قتل ريتشل كوري؟


حين سُئلت مخرجة فيلم "ريتشل" في تمام الساعة السابعة، موعد العرض، من قبل أحد الحضور إذا ما كانت إسرائيلية؟ أجابت: "كنتُ إسرائيلية.. وربما لم أزل كذلك، لكن على طريقتي.." السؤال لم يكن متوقعًا، خاصة وأن العادة تجري أن تأتي الأسئلة بعد انتهاء العرض، كان هذا إنذارًا بأن أسئلة ما بعد العرض ستكون ساخنة. وبدأت الشاشة تحكي قصة الفتاة الأمريكية "ريتشل كوري"، فيلم جديد للمخرجة سيمون بيطون؛ إسرائيلية الجنسية، فرنسية الإقامة.


تركت ريتشل حياتها الهادئة وعائلتها الدافئة، تركت بيتها ذو المساحات الخضراء، كما تقول في أحد رسائلها.. لتأتي وتتضامن مع الفلسطينيين العُزّل في رفح، وتحديدًا على الحدود الفاصلة بين غزة ومصر.. وتقضي نحبها على يد جرّافة إسرائيلية في الموقع الذي عمل فيه جيش الاحتلال على جرف البيوت المحاذية للجدار.. كانت مهمة ريتشل التي اختارتها عن قناعة، منع الجيش الإسرائيلي من هدم مزيد من بيوت المواطنين الفلسطينيين، لكن إحدى هذه الجرّافات انتزعت حياتها وهي في عمر 23 عامًا..



في سلك التطوع
أصبحت ريتشل كوري رمزًا للتضحية بالنفس.. فما الذي يجعل فتاة أمريكية تأتي إلى غزة رفح، تقاوم جرّافة إسرائيلية ليل نهار.؟ بعد سنوات تبدأ سيمون بيطون بالبحث في ملفات الجيش الإسرائيلي وتستجوب الشهود، لكنها سرعان ما تتخلى عن الهدف.. فلا يعود يعنيها إن كانت قد ماتت عمدًا أم عن طريق الخطأ.. الأهم من هذا هو سرد حكايتها، والتي هي بالضرورة في هذه الحالة، حكاية الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يرى العالم، إلا من وراء جرّافة!
تظهر ريتشل كوري في تسجيل فيديو وهي في عمر عشر سنوات، تُلقي كلمة في مدرستها تعبّر فيها عن تعاطفها مع أطفال العالم في مناطق الصراع والجوع، طفلة شقراء لا يتوقع منها أحد أن تقوم بشيء آخر غير حلّ وظائفها البيتية، مراقبة نضوجها الأنثوي القريب، وسرد أسرارها الصغيرة لصديقاتها. في هذا التسجيل يمكن رؤية ريتشل الصغيرة تصرّ على ضرورة إحقاق العدل في هذا العالم المجحف، وجهها الطفولي يبدو غاضبًا حانقًا..
بعد سنوات نعرف أنها صادقة في نواياها، شديدة الإصرار على القيام بما تعتقد أنه يهمها، وتبقى أمينة لخطابها المدرسي. وحين تموت كمواطنة أمريكية على أرض غزة لا تقوم الدنيا ولا تقعد في واشنطن! لا يأتي أحد من السفارة الأمريكية في تل أبيب ليكون شاهدًا على تشريح جثتها حسب اشتراط والديها، لا أحد يستنكر، ليس من مسئول أمريكي يطالب بتحقيق في القضية.. لا يحدث شيء من هذا، فمن الواضح أن الولايات المتحدة قد تخلت عن مواطنيها الأمريكيين الذين يتعاطفون مع الشعوب المقهورة.. على الأمريكي أن يبقى في أرض الهنود الحمر، يدفع الضرائب ليحل العدل في العالم!


شهادات محتلة
في الفيلم شهادات إسرائيلية أضافت مزيدًا من التوضيح حول ملابسات قتل ريتشل كوري. فيلم آخر أخرجه الفلسطيني يحيى بركات تحت اسم: "ريتشل، ضمير أمريكي" يقدّم فيه من الزاوية الفلسطينية ومن زاوية رفاقها تفاصيل الاتهام ضدّ الجرّافة، لكنّ الجديد في فيلم بيطون إيراد عدة شهادات من جانب الاحتلال الإسرائيلي؛ شهادة المتحدثة باسم الجيش، شهادة المحقق العسكري الذي قام بالتحقيق مع الجنود بعد الحادثة.. وشهادة جندي يعترف باختلاط الحرب وألعاب الحاسوب عليه. هذه الشهادات، رغم أهميتها لم تساعد في تحديد المتسبب في الموت؛ هل هو قتل متعمد قام به سائق الجرّافة وقد سئم هؤلاء الغرباء؟! أم أنه حادث عرضي.. قضاء وقدر؟ يقول السائق أنه لم يستطيع رؤية ريتشل لحظة الحادث، فالجرّافة لا تسمح بذلك بسبب محدودية الرؤية من نوافذها الضيقة.. وكأنه يقول أن الجرافة هي من قتل ريتشل وليس هو!
في الحوار بعد انتهاء عرض الفيلم تُعلن بيطون أنها لا تهتم حقا كيف قتلت ريتشل، فقد تعدّدت الأسباب والجيش واحد.. بل تهتم أكثر بسرد الحكاية، ربما لأنه لم تعد هناك أيّة إثارة "إكشن" حقيقي في توجيه التهم إلى إسرائيل، فقد أصبح هذا أمرًا يوميًا وعاديًا، إنها دولة جرائم حرب، كلنا نعرف هذا.. لكنّ مُشاهدًا حيّا يرزق وجّه أسئلته من مكانه في الصالة عبر كلمات مفكّكة: الولايات المتحدة هي المسؤولة الحقيقية عن موت ريتشل.. دولتنا غير مسؤولة عن ذلك.. فلتبحثوا عن الأسباب هناك..



دون محاكمة
المحقق العسكري، الشاهد الأهم في الفيلم كان حاضرًا في القاعة، التزم الصمت خلال الحوار، ولم يستجب لدعوة بيطون بالرد على صاحب الأسئلة المفكّكة، ثلاث نساء ذوات ميول يسارية واضحة بادروا إلى طرح أسئلة سهلة على بيطون، القاعة بدأت تفرغ من المعزيّن بوفاة الأمريكية، فقد أدّوا واجبهم.. مهرجان حيفا الدولي للأفلام قام أيضًا بتأدية واجبه بمجرد عرضه للفيلم، بل وزاد على هذا بأن استضاف مخرجته التي اختارت طوعًا التنازل عن الإقامة في إسرائيل، واختارت طوعًا أن لا تجيب عن أسئلة الفيلم: من قتل ريتشل كوري؟ ولماذا لم يحاكم أحد؟
الجواب بسيط للغاية.. لن يحاكم أحد في إسرائيل بسبب قتل ريتشل كوري، ولن يُحاكم أحد بجريمة قتل آلاف الفلسطينيين، ولن يقوم ألف مخرج بصناعة ألف فيلم عن كل فلسطيني قتل سهوًا أو خطأ أو عن غير قصد، وستبقى محاكمة إسرائيل ومقاطعتها دوليًا عرضة للمساومة.. وللمصادفة، أكتب عن فيلم "ريتشل" في وقت تثار فيه الضجة حول فضيحة تراجع السلطة الفلسطينية عن حقها بمحاسبة إسرائيل دوليًا، جرّاء ارتكابها جرائم حرب في غزة.. فليسجّل التاريخ!


تسجيل لريتشل كوري في عمر 10 سنوات

http://www.youtube.com/watch?v=UK8Z3i3aTq4



01 أبريل 2009




هكذا يرقصون الفالس مع بشير

.............................................


ليس هناك ما يجعل مخرج إسرائيلي يبحث عن مكانه كجندي في مجزرة صبرا وشاتيلا سوى أنه يريد صناعة فيلم يسرد فيه قصته الشخصية كجندي، وفي حالة آري فولمان فإنه يسعى لأكثر من ذلك؛ استعادة ذاكرته بتحفيز من صور القتل! "فالس مع بشير" فيلم وثائقي مصنوع بطريقة الرسوم المتحركة، وهو فيلم شخصي يحاول فيه المخرج أن يستعيد ذاكرته المفقودة من أيام مشاركته بالحرب على لبنان عام 1982. لأجل ذلك يتحدث فولمان مع رفاقه في الوحدة، يقرّب المشاهد منهم أكثر ما يمكن، يدخلون الأراضي اللبنانية في اليوم الأول على متن دباباتهم وهم يغنون "صباح الخير يا لبنان".. يبدأ الفيلم بحلم كابوس يداهم الجندي بوعز ويرى فيه 26 كلبًا كان قتلهم في القرى اللبنانية.. وهذا ما يحفز فولمان لتذكر أين كان خلال وقوع مذبحة صبرا وشاتيلا، ولسبب ما لا يستطيع التذكر!

من قتل بشير الجميل؟

معاقبة المدنيين الفلسطينيين في المخيمات تحت حجة الانتقام لمقتل بشير الجميل هو عمل إجرامي بالتأكيد، لكن الحقائق تشير أن الفاعل لم يكن فلسطينيًا، فقد اعتقل حبيب الشرتوني بعد يومين فقط من تنفيذ العملية. واعترف الشرتوني الذي أراد محاسبة الرئيس، والمحاسبة في حالة بشير الجميل تعني الحكم بالموت، ولأنّ لبنان في تلك ا

لفترة لم يكن في حالة نظام مركزي تسمح بأن يأخذ القضاء مجراه، ولأن بشير الجميل كان من القوة بحيث لا يمكن محاسبته، فإن الشرتوني المنتمي إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، نفذ حكم الإعدام ببشير الجميل بتفجير شقته الكائنة في الطابق الثالث فوق مقر حزب الكتائب تمامًا في ذات العمارة، معتمدًا بذلك على المادة 274 من قانون العقوبات اللبناني والذي ينص على إعدام كل من يتعامل مع دولة أجنبية ويهدد بذلك الأمن الداخلي للبنان. اعتقل الشرتوني وبقي محتجزًا دون محاكمة في قصر بعبدا حتى بداية التسعينيات.

المسؤولية عن المذبحة

يتساءل فولمان في فيلمه عن دور الجيش الإسرائيلي في المذبحة والتي تبدو وكأنها أسئلة أخلاقية.. ولكنها في الحقيقة تؤدي إلى نتيجة واحدة وهي أن المليشيات المسيحية، كما يسميها، هي صاحبة المسؤولية الأولى، وما كان بوسع الجيش المحتل لأرض لبنان سوى أن يوقف المذبحة بعد 36 ساعة.

الدور الإسرائيلي في المذبحة كان مثار نقاش لأسباب غير مفهومة، وكأن تنفيذ المذبحة بأيدي القوات اللبنانية كان ممكن الحدوث لولا احتلال لبنان، ولولا حماية ورعاية الجيش الإسرائيلي. فمن هو صاحب الرقم الأعلى في مؤشر القتل؟ لتكن منافسه شريفة، ولتكن لجنة الحكام محايدة، ولن نغضب إن ربحت إسرائيل بجدارة!

في الحقيقة فإن ضحايا الجيش الإسرائيلي من المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين أكثر بكثير من ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا.. وقد كان هدف الغزو الرئيسي للبنان طرد الفلسطينيين، وهو هدف مشترك لإسرائيل وللقوات اللبنانية، مما يفسر التخطيط المشترك بين الجهتين، كما تؤكد شهادات أعضاء هذه القوات في فيلم "مجزرة" إخراج الألمانية مونيكا برجمان.

فيلم مجزرة لمونيكا بيرجمان

قابلت برجمان في فيلمها مجموعة من منفذي مذبحة صبرا وشاتيلا من القوات اللبنانية. يعرض الفيلم صورة بشعة للمذابح ومنفذيها وعلاقتهم بإسرائيل. تبين الشهادات ضلوع إسرائيل بالعملية من مرحلة التدريب وحتى التنفيذ. يتحدث أحدهم عن معسكرات التدريب في حيفا وإيلات لمجموعة من القوات اللبنانية وذلك قبل الحرب بسنوات: "وصلنا إلى حيفا من البحر خلال الظهيرة، نزلنا إلى اليابسة مجموعة وراء مجموعة.. نظرنا حولنا، لم نصدق! نحن في إسرائيل".

في شهادة أخرى يبدو الدور الإسرائيلي في مذبحة صبرا وشاتيلا واضحًا فيصف بداية التنفيذ: "كنا قد وصلنا عند الساعة السادسة قبل المغيب بقليل، وكان إيلي حبيقة يجتمع بضباط يهود في عمارة قريبة، كنا مقتنعين أن الفلسطينيين قتلوا بشير الجميل أردنا أن ننتقم لموته أردنا أن نمحيهم من على وجه الأرض". شخص آخر يقول في شهادته: "كنا في الفوار، إسرائيلي لا زلت أذكره حتى الآن، اسمه شلومو جاء وطلب منا أن نرافقه إلى مخيمي صبرا وشاتيلا"..ضابط آخر في القوات اللبنانية يقول: "في السادس عشر من سبتمبر وصل أمر إلى معسكرنا، أعطيت السلاح والذخيرة لرجالي، سيارات إسرائيلية كانت تحت تصرفنا".

بعد عمليات القتل بحق اللاجئين الفلسطينيين العزل في المخيمات كان على القوات أن تحمل الجثث في هذه الشاحنات وتلقيها بعيدًا. مجموعة أخرى كانت ترمي الجثث في بئر كبيرة، توضع في أكياس، وتُرش فوقها مواد كيمائية، من بعدها تُدفن تحت التراب. تسأل بيرجمان أحدهم: من أين حصلتم على الأكياس؟ يجيب: "اليهود أحضروها معهم.. قالوا لنا ستحتاجون هذا، لقد جهزوا كل شيء، فكرّوا في كل التفاصيل".

فولمان في خدمة الاحتياط

في هذا الفيلم تعود السينما الإسرائيلية وتكرر خطاب الجندي ضحية الحروب التي يقوم بها، والمحرقة النازية بحق اليهود لا ينبغي أن تغيب عن الأذهان، فهي على الشاشة.. صديق فولمان المحلل النفسي يقول له: "هذه المذبحة مرتبطة عندك بمجزرة أخرى، مجزرة أهلك في محرقة أوشفيتس"، تأكيد جديد على أن الجندي الإسرائيلي ضحية حروبه. يسير فولمان في الطريق ذاتها التي تبرر قيام العسكرية الإسرائيلية بجرائمها، فاللوم في ارتكاب المجازر يقع على تلك المحرقة النازية اللعينة!

في أسطوانة مرفقة يعلّق فولمان: "لا أعتقد أن العقل البشري يمكن أن يصدّق أن هناك أشخاص يقومون بقتل عائلات دون سبب على بعد أمتار منك!" ثم يقول في مكان آخر: "لا أفهم معنى أن تجري حروب وأن يقاتل الناس بعضهم على قطعة من الأرض". ببساطة هذا موقف ضد الحرب.. موقف إنساني جميل ولكنه شديد القبح في حياديته وتنكره، خاصة حين نعرف أن فولمان بقي يخدم في جيش الاحتياط الإسرائيلي ككاتب سيناريو لأفلام الجيش الدعائية حتى قبل سنوات.

الجندي الإسرائيلي ضحية حروبه

أحد الجنود وكانت مهمته التصوير يصف مشهد تموت فيه الأحصنة في بيروت فيأسف: "ما ذنب هذه الأحصنة لتموت في حروب البشر؟" تأكيد آخر على حبوب الحيادية التي يحاول الفيلم تبليعها للمشاهد!

يُضاف فيلم "فالس مع بشير" إلى قائمة الأفلام الإسرائيلية التي تخدم تجميل وجه إسرائيل العدواني. تتبناه وزارة الخارجية الإسرائيلية بحفاوة، ويتفاخر فولمان في لقاءات معه أن سفراء إسرائيل استقبلوه في كل مكان ذهب إليه لعرض الفيلم.

لم يستنكر فولمان العدوان الأخير على غزة خلال اعتلاءه المنصات لتسلم الجوائز.. من الواضح أنه لم يخرج عن دائرة الإجماع على قتل العرب منذ دير ياسين وحتى رفح، ومن هذا فإن "فالس مع بشير" فيلم آخر في المنظومة التي ترى العربي من خلال عدسات الكاميرات وفوهات البنادق. هذه المنظومة التي تبرر الجرائم التي تقوم بها إسرائيل، معتمدة على ذاكرة الجندي المفقودة، وعلى الذاكرة العسكرية المثقوبة، وهذه بلا شك صفات إسرائيلية بامتياز!




25 يناير 2009




فيلم "شتات": قصص الهجرة والتهجير
..................................


تدور أحداث فيلم "شتات" في لندن حين يلتحق المخرج الإسرائيلي بزوجته التي تدرس للقب الدكتوراة، ويفكر في تصوير فيلم شخصي عن زوجته وحياة العائلة التي تعيش في المهجر، وتتطور الفكرة ليدخل أشخاص آخرين في الفيلم من بينهم إسرائيليون يعيشون في لندن: بوعز الذي كان مراسل جريدة معاريف في لندن، جلعاد الموسيقي الذي أصيب بصدمة في حرب لبنان ونزح إلى لندن، حوي طالبة جامعية تزوجت من إنكليزي. فلسطينيين نزحوا من المنفى إلى المنفى: خالد أبن عائلة فلسطينية من أحد المخيمات في غزة، ويعود أصل عائلته المهجّرة إلى قرية الفلوجة التي تقوم على أنقاضها كريات جات، أمجد الذي ولد في الخيرية الواقعة قرب تل أبيب والمدفونة تحت أكبر تجمع نفايات في إسرائيل. إضافة إلى تيم العالم البريطاني الذي يقوم بتجارب حول انقسام الخلايا.
يقدم آشر ده-بنطوليله طلاليم، فيلمه التسجيليي "شتات" إنتاج مشترك لإسرائيل، بريطانيا وألمانيا، كعمل سينمائي تسجيلي جديد وفي تاريخه السينمائي 54 فيلمًا، وأهم ما يقدمه الفيلم الذي يتعقب شخوصه خلال أربع سنوات هي مدة تصويره، هو ذلك الأثر الذي يحدثه في نفس مخرجه، فيصل به إلى مثل هذا التغيير، في الوقت الذي ينوي فيه المخرج التأثير في جموع المشاهدين، لكنّه يعود إلى اعتناق اسمه السابق، ويأخذ موقفًا من الأيدولوجية الصهيونية.

عن أشر ده-بنطوليلة طلاليم
ولد المخرج في طنجة في المغرب باسم أشر ده-بنطوليله، وحين قدم لإسرائيل مع عائلته غير اسمه إلى آشر طلليم تماثلا مع أهم أسس الصهيونية التي تحاول التنكر لفترة الشتات واستبدال الإسم الأصلي بإسم عبري، وبهذا الإسم يعرفه الجمهور الإسرائيلي كأحد المخرجين البارزين، لكنه ويعود بعد أربعين عاما لأسمه الأول بعد أن زار طنجة مسقط رأسه، وقد ترك وطنه الاول المغرب صغيرًا، ولكنه يكتشف أنه ترك طنجة طوعًا، بينما هناك من ترك أرضه رغمًا عنه.
هذا اللقاء بين المخرج وباقي شخصيات الفيلم لا يمكن أن يحدث في أي مكان سوى لندن حسب قول المخرج، وبالتحديد لا يمكن أن يحدث داخل حدود إسرائيل أو الأراضي الفلسطينية المحتلة، يدرك أشر ده-بنطوليله أن لقاءة بخالد طه وأمجد زيادة بهذا الشكل المحايد والمتعادل، لا يمكن له أن يحدث لولا أن الشتات (المهجر)، هو وسيلة اللقاء، وعبر الفيلم يحاول المخرج أن يفهم هذه الكلمة التي ترافقه حيث ذهب، "الشتات". ويشعر أشر ده-بنطوليله أن خالد يعيده إلى نفسه حين يسأله: ألم تكن أنت أيضًا تريد العودة إلى وطنك المغرب؟ خالد الذي يعمل كخادم في جامعة لندنية يمثل الشتات الفلسطيني الآني مقابل الشتات اليهودي الذي يمتد بحسب الرواية الصهيونية إلى عمق التاريخ، وهكذا يتمحور العمل التسجيلي "شتات" حول تجميع الخيوط ما بين طرفي الصراع، ومركز الأحداث هو لندن، يرصد المخرج منها طنجة وبولندا وفلسطين المهجرة، لكي يمتحن قسوة الشتات وما يفعله من حنين في نفوس البشر.

أسئله إلى الآخر، أسئله إلى الذات
يوجه مخرج العمل الأسئلة لخالد وصديقه أمجد في اللحظة التي يوجه الأسئلة ذاتها لنفسه: لماذا تريدون العودة؟ ما الذي يربطكم إلى ذلك المكان؟ ما هي قصة رحيلكم عن أرضكم؟ ومع استمرار هذا الحوار يزداد كلا الطرفين خالد وآشر إقترابًا أحدهم من الآخر، تتسبب في ذلك مصداقية خالد في ما يقول وما يحس، وحساسية المخرج تجاه موضوع الشتات الذي يعاني منه شخصيًا، ويكاد يعترف بإكتشاف تأثيره الكبير عليه لأول مرة، وهو الذي كان يظن أن الشتات يحدث خارج أرض إسرائيل التوراتية ليكتشف أنه يحدث داخلها، وهو المهجّر عن طنجة المغربية يحلم في العودة إلى ربوعها، وخالد المهجر إلى لندن يحلم بالعودة إلى أرض فلسطين. هكذا تتقاطع خطوط الرحلات فوق حوض المتوسط وآوروبا، وتبدأ الرحلة الأولى في البحث عن مواطن الشتات، وتكون إلى طنجة.

رحلات الكاميرا
تنطلق الرحلة الأولى في محاولة لاسترجاع الذات، فيسافر المخرج مع أخيه إلى طنجة مسقط رأسه في المغرب، يعود إلى البيت الذي ولد فيه ويحاول استرجاع ذاكرة أيام الطفولة، وقد ترك والده طنجة هربًا تحت جنح الظلام إلى إسرائيل، وقد أحس بالخطر بكونه أحد اليهود المتنفذين في مدينة طنجة، وفي البيت الذي تركته عائلة ده-بنطوليله، تسمح العائلة المغربية المسلمة للمخرج وأخيه بالدخول إلى البيت ليستعيدا ذاكرة الطفولة. تدور الكاميرا في أرجاء البيت ونكتشف أنها تصور الأرضية وأشكال البلاط في صور عشوائية غير مرتبة، وفي نهاية المشهد يخبرنا صوت المخرج أنه أخطأ بالضغط على زر الكاميرا، فكان يشغلها ويطفئها بصورة معكوسة، فكانت النتيجة أن تدور الكاميرا في اللحظات التي من المفروض أن لا تقوم بالتصوير، وبالعكس، تلك اللحظات الميتة من المشاهد التي من المفترض أن لا يتم تصويرها.


في رحلة ثانية إلى بولندا يقوم بها المخرج وزوجته إلى قبر جدها الرابي إليميليخ ملجينسك، الذي يحجّ إلى قبره آلاف اليهود في مناسبة سنوية لأجل الحصول على تبريكاته. تتحدث الزوجة عن جدها بأنه كان منعزلا عن الناس كي يعيش النفي الحقيقي الذي عاشه اليهود عبر التاريخ، وتجد في بولندا وطنها الأول حيث تدفن رفات جدها الذي أصبح بنظر الكثيرين قديسًا، وتشعر هي بالفخر لأجل ذلك.
الرحلة الثالثة هي رحلة إبنته الكبرى من زواجه الأول إلى والدها في لندن، وهي طالبة في الجامعة العبرية في القدس، وفي الحال تعبر عن خوفها من التفجيرات التي يقوم بها الفلسطينيون في الباصات، وتتوجس من العودة، ثم تتهم والدها أنه يناقش بطريقة تختلف عنها في إسرائيل، وقد لاحظت التغيير الذي طرأ عليه.

رحلة العودة الرمزية
في الرحلة الرابعة، يقرر آشر ده-بنطوليله أنه قادم إلى الأرض المسلوبة، فيقوم برحلة العودة الرمزية نيابة عن خالد وأمجد ويزور مجمع النفايات "خيرية" مستذكرًا بلدة أمجد، ويزور كريات جات ويحاول أن يبحث عن رائحة لبيت خالد، فيقوم آشر ده-بنطوليله بفعل لا يستطيع صديقية الفلسطينيين أن يفعلاه بفعل ظروف اللجوء، إنه لشعور شديد الغرابة أن تكون هذه الزيارة لإسرائيل نيابة عن سكانها الأصليين، وليست زيارة للمكان الذي عاش فيه.
يقوم آشر ده-بنطوليله طلليم بالبحث في المحيط عن أناس آخرين يساعدونه في الإجابة عن بعض الأسئلة، فيصادق العالم البريطاني تيم هانت، ويحاول أن يبحث عن طريق العلم عن حل للصراع، وذلك من خلال تجارب يجريها العالم عبر إنقسام جزيئات الخلايا، وفي نهاية التجربة التي تجرى لأغراض علميه ويريدها المخرج كنظرية علمية لحل الصراع، ينطق العالم البريطاني بجملة تعبر عن مأساوية الصراع على أرض فلسطين وذلك بجملة واحدة: "لا يمكن أن تحيا الخلايا في سلام، فلا بد أن تأكل أحدها الأخرى، هذا هو مصير الصراع في الشرق الأوسط، لا بد أن يدمر أحدكم الآخر!". خلال تصوير أحد المشاهد يعرف تيم هانت عبر مكالمة هاتفية أنه حصل على جائزة نوبل في الطب، وفي لحظة إنفعالية لا يبدو عليه أنه يصدق نبأ حصولة على الجائزة.
خلال تنقل الكاميرا ما بين الأماكن والوجوه، تسير حركة العلاقات الإنسانية في اتجاه المركز، ويؤدي الفيلم غرضه الدرامي، فخالد الذي يحكي قصة النكبة وتهجير الأرض ينتقل من عدم التعاون مع المخرج الإسرائيلي إلى أن تنشأ في نهاية الفيلم علاقة خاصة بينه وبين عائلة المخرج، وبالأخص عبر المشهد الأخير من الفيلم حين يلاعب خالد الطفل الصغير إبن العائلة، ويصل المخرج من نقطة البداية بالبحث في حيثيات غربته المؤقتة في لندن، إلى ملاحقة مفهوم الشتات إلى فهم الشتات الفلسطيني، وحتى التماثل معه، ويصل في نهاية الفيلم إلى قرار رفض العودة للسكن في إسرائيل، الدولة التي لا زالت تحرم اللاجئين الفلسطينيين من بيوتهم .

حول الفيلم
يقول المخرج عن الفيلم: "أردت أن اصنع فيلمًا من غير أن أجادل الخصم الفلسطيني، لتكن هذه فرصة لكي نستمع ولو لمرة واحده لما يقوله الفلسطينيون دون أن نجادلهم بمصداقية ما يقولون". يبدو أن هذا الفيلم الذي حاول اعتماد الحيادية، وفي بعض الأحيان التعاطف مع الضحية، فشل في أن يؤثر في المجتمع الإسرائيلي الذي لا زال غير مهيء لتقبل ما يناقض الرواية الصهيونية.





الخلل في الإسلام وليس في إسرائيل!
..................................................

".... قررتُ أن أرى بنفسي ما إذا كانت إسرائيل تستحق غضب المسلمين؟ غضبًا يشلّ الحركة. أني أتحدث عن الغضب الذي نستغله لتبرئة أنفسنا من المسؤولية عن وضعنا ... وإذا كنا نريد قلب ما في ذهن المسلم من لا تسامح فعلينا أن نفتح أبصارنا ونتساءل: هل أن إسرائيل حقا ذلك الوحش كما نصوُّرها؟ "
بهذا القول تعبّر "إرشاد منجي" مؤلفة كتاب "الخلل في الإسلام" عن مكنونات نفسها وعن ولعها الشديد بإسرائيل. وقد لا يبدو غريبًا أن تحتفي الأوساط الإعلامية في إسرائيل بزيارة مؤلفة الكتاب على هامش المعرض الدولي للكتاب، وقد صدر الكتاب باللغة العبرية.

من هي إرشاد منجي؟
هي كاتبة كندية من أصل باكستاني، نزح والداها إلى أوغندا قصدًا للعمل في التجارة، وخلال مكوث العائلة في أوغندا ولدت إرشاد عام 1968، وبعد سنتين من ولادتها هاجرت العائلة إلى كندا عام 1971.
تُرى ما هو سبب هذا الاحتفاء الإسرائيلي بكتاب "الخلل في الإسلام" وبكاتبته إلى هذا الحد؟ ويبطل العجب عندما يعرف السبب! حين نقرأ ما تقوله صحيفة "واي نيت" الإلكترونية الإسرائيلية:" في كتاب الخلل في الإسلام تكشف إرشاد منجي المشاكل الأساسية في الإسلام وتكشف قوانينه ومعتقداته: الانغلاق القبلي، الكراهية العميقة لليهود، والتعصب الأعمى للقرآن باعتباره القول المحق والأعلى لله، إنه كتاب يدعو إلى مستقبل خال من العنف الإسلامي".

لماذا هذا الكتاب؟
رغم أن عنوان الكتاب هو " الخلل في الإسلام" فإن الكاتبة وعلى نحو مفاجئ تجنح ابتداءً من الفصل الثالث للحديث عن إسرائيل وعن اليهود، فتحاول بكافة الطرق عبر الشهادات، الاقتباسات والعودة إلى التاريخ القريب إلى تصوير إسرائيل بالضحية، وكيل الاتهامات للفلسطينيين عبر لغة مليئة بالنظرة الأحادية الجانب، مع التشديد على كونها مسلمة ذات رأي مختلف عن باقي المسلمين، وتقوم بهذا الفعل المفضوح عبر طريقة منهجية تعتمد على إخراج النص المقتبس عن سياقه واللجوء إلى تحويره بطريقة ذكية.
وأعجز شخصيًا عن فهم كيف يصبح "الخلل في الإسلام" تبرئة لإسرائيل من كل أفعالها تجاه الفلسطينيين؟ فتبدأ الكاتبة بسوق الأمثلة والأحداث على طريقتها، فتبدأ بمحاولة تبرئة إسرائيل من مسؤولية تهجير الفلسطينيين من أراضيهم عام 1948 معتمدة بذلك على شهادة يتيمة أخرجت عن سياقها العام لتبدو اعترافًا قاطعًا بالمسؤولية العربية عن النكبة، حيث تقتبس عن خالد العظم في معرض حديثه عن أزمة اللاجئين الفلسطينيين ما يلي: "هؤلاء اللاجئون نزحوا ليس بأمر من الإسرائيليين وإنما من العرب". وتعلق الكاتبة على هذه الجملة: "هذا ما قاله خالد العظم، رئيس الوزراء السوري خلال تلك الحرب. ففي مذكراته التي نُشرت عام 1973 كتب العظم حول دعوة الحكومات العربية لسكان فلسطين الجلاء عنها والرحيل إلى البلدان العربية المجاورة بعد زرع الخوف في نفوسهم". وتواصل الاقتباس عن العظم: "ومنذ عام 1948 نطالب بعودة اللاجئين إلى ديارهم لكننا نحن الذين شجعناهم على النزوح". وهنا تخلص إلى النتيجة التالية: "أين هذا من تحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن أزمة اللاجئين الفلسطينيين؟". ويفوت الكاتبة عن قصد أن العظم أراد بقوله التعبير عن الشعور بالذنب تجاه قضية اللاجئين والاعتراف بالأخطاء التي ارتكبت.
ثم تضيف قائلة: "الأُمم المتحدة أيضا أسهمت في الأزمة، فهي اليوم تعتبر 3.5 مليون فلسطيني لاجئين رغم أنها تستخدم تعريفا لا يُطبَّق على أي شعب نازح آخر. فإن التعريف لا يسري على اللاجئين الأصليين الذين كان عددهم نحو 700 ألف لاجئ فحسب بل يشمل أطفالهم وأحفادهم أيضا". !


التاريخ يشهد بالكذب
على نحو مثير ولأجل إجراء مقارنة تقوم "إرشاد منجي" بتشويه الحقائق التاريخية فتقول في الفصل الخامس من الكتاب تحت عنوان " مَنْ يخون مَنْ؟": "مئات ألوف اليهود وجدوا أنفسهم مطرودين من البلاد العربية بحلول خمسينات القرن الماضي ولكنهم لم يرزحوا في بالوعات اللاجئين بل استوعبتهم إسرائيل، ودمجت غالبيتهم العظمى في محيطها. وعلى هذا الصعيد منحت إسرائيل الجنسية لنحو 100 ألف فلسطيني في إطار مجهود للم شمل العائلات. فماذا فعلت الحكومات العربية عموما للفلسطينيين؟ لقد خذلتهم أو فعلت ما هو أسوأ".
ثم تعود لدق الإسفين بين الفلسطينيين وباقي العرب وقد نزعت عن إسرائيل تحمل مسؤولية قضية اللاجئين نهائيًا: "في البلدان المجاورة مثل لبنان وسوريا والعراق تتصرف الحكومات وكأن توطين الفلسطينيين ليس من شأنه إلا الإخلال بالتعايش الهش بين المسلمين الشيعة والسنة. ولبنان حتى أقل اكتراثًا، فإن قوانينه في الحقيقة تمنع غالبية اللاجئين الفلسطينيين من العمل ساعات كاملة أو شراء أرض أو رفع مستوياتهم ليكونوا مهنيين. ويدبر الفلسطينيون أمورهم بمزاولة أعمال طارئة أو مؤقتة".
ولا تكتفي المسلمة الغيورة عند هذا الحد فتضيف في تشويه للحقائق يبعث على الدهشة مخاطبة قرائها: "هاكم مقياسا آخر لنفاق العرب...فعلى امتداد سنوات كانت الكويت تتبرع لوكالة الأمم المتحدة المسئولة عن رعاية اللاجئين الفلسطينيين أقل مما تتبرع به إسرائيل. والعربية السعودية أيضا كانت تنفق عليهم أقل مما تنفق إسرائيل حتى أخذت عائدات النفط بالتدفق. واليوم؟ رغم خزائنها العامرة بالمال والمساحات الشاسعة من الأراضي الفائضة يرفض السعوديون منح الجنسية إلى أي من الفلسطينيين. ولكنهم يبثون برامج تلفزيونية ماراثونية لجمع التبرعات بالملايين من أجل تمويل عمليات التفجير التي ينفذها انتحاريون. كما أنهم يكافئون عائلة مَنْ ينجح في تنفيذ عملية تفجير برحلة إلى مكة، يتحملون تكاليفها كاملة".
وفي عودة إلى التاريخ المعاصر مرة أخرى، تقوم وبلسان المسلمة في دور من يمثل المسلمين والعرب بما يمكن فهمه على أنه اعتراف: "أقول أننا تخلفنا عن التكفير عن آثامنا نحن المسلمين في عام 1915. فقد شهد ذلك العام ذروة جريمة الإبادة التي ارتكبها العثمانيون المسلمون ضد المسيحيين الأرمن. وقام سفراء الله في الأرض بتغييب أكثر من مليون مسيحي عن طريق التهجير والتجويع وحمامات الدم. لماذا لا أسمع كثيرين منا يدعون الأتراك إلى تعويض الضحايا؟ ينبغي أن نغضب، لا سيّما وأن الأرمن لا يريدون استعادة أي شيء من ممتلكاتهم بل مجرد الاعتذار منهم. هل المسلمون منهمكون في التشبث بسمو قضية المغدورين منهم بحيث لا نرى كيف أننا نغدر بالآخرين؟"
وقد لا تكفي هذه المغازلة الواضحة للغرب المسيحي تحديدًا فتلجأ إلى اتهام الفلسطينيين بالضلوع في الأفعال النازية بحق اليهود!! فتقول: "لنكن صريحين حول ما حدث خلال سنوات النازية: لقد تواطؤ المسلمين مع الهولوكوست –أي إبادة اليهود- فإن الحاج أمين الحسيني ضغط على بريطانيا لإبعاد سفن محملة باللاجئين اليهود كانت متجهة إلى فلسطين. وقد غرق البعض منهم في مياه البحر المتوسط وأُعيد البعض الآخر إلى غرف الغاز والمحارق في أوروبا".

عنصرية العرب!
في الفصل السادس من الكتاب توجه تهمة العنصرية لسوريا وتنفيها عن إسرائيل قائلة: "إن شخصية لا تقل عن وزير الدفاع السوري نفسه تنشر كتبا وأنتج فيلما لتصوير اليهود على أنهم مصاصو دماء، وبالمناسبة أنهم مصاصو دماء ليس بالمعنى المجازي بل مصاصو دماء بالمعنى الحرفي. ولكن سوريا بدلا من أن يتعيَّن عليها أن توضح موقفها في المؤتمر العالمي للأمم المتحدة ضد العنصرية، انضمت إلى عضوية لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة من 2001 إلى 2003. وهذا بالإضافة إلى انتخابها عضوا دوريا في مجلس الأمن الدولي ذي السمعة العالية".... وتضيف: "هل أنتم مستعدون لرصاصة الرحمة الآن؟ كانت إسرائيل البلد الوحيد في العالم الذي تعرض إلى انتقادات في وثائق قُدمت إلى المؤتمر الرسمي للأمم المتحدة ضد العنصرية. فلماذا هذا الانفصام الأخلاقي الصارخ؟".
وهذا نقل حرفي من الكتاب دون تعليق، تقول: "والآن إلى الدليل النهائي على التهمة الواهية بأن إسرائيل بؤرة للكراهية الهتلرية....إنها البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي يهاجر إليه مسيحيون عرب بإرادتهم. وهم يزدهرون أيضا مسجلين نسبة حضور أعلى بكثير في الجامعات من مواطني إسرائيل المسلمين العرب ويتمتعون عموما بصحة أحسن من اليهود أنفسهم".
وتختتم إرشاد منجي كتابها عند الفصل التاسع بالعبارات التالية: "أقدّر ما فعله الغرب لي، بل للكثير من المسلمين. فأنا مدينة للغرب برغبتي في المساعدة على إصلاح الإسلام. وبكل صدق، يا شقيقاتي وأشقائي في الإسلام، فأنتم أيضا مدينون له".

خطر التجاهل
قد يبدو للبعض أن إرشاد منجي ما هي سوى كاتبة مدعية تنضم إلى صفوف الأبواق الصهيونية، وقد لا يروق للبعض هذا الاهتمام الذي أوليه للكتاب كونه يحمل الكثير من الأكاذيب والتشويه، ولكن حين نعرف أن هذا الكتاب قد ترجم وبيع خلال أقل من سنة في كل من الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، إيرلندا، أستراليا، نيوزيلاندا، الدنمارك، البرازيل، إيطاليا، أسبانيا، فنلندا، ألمانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، النرويج، بلغاريا، بولندا، إسرائيل وحتى الباكستان، فهذا يعني أن الكتاب يلقى تسويقًا ورواجًا، وهو يباع بكميات كبيرة، وهناك تلهف ملحوظ على شراءه كون الكاتبة مسلمة تتحدث عن الخلل في الإسلام! وهنا تكمن خطورة الأمر لما يحمله الكتاب من تعدي وإلصاق تسمية الإرهاب بالمسلمين والعرب، والأهم من هذا تمرير أكثر من فصلين لتحسين صورة إسرائيل في العالم واتهام العرب والفلسطينيين بالمسؤولية الكاملة عمّا يجري. وقد فكرت الكاتبة بناءً على قولها في كتابة هذا الكتاب بعد أحداث 11 سبتمبر وتدمير مركز التجارة العالمي أو برجي التوأمين في نيويورك، وقد أرادت حسب قولها شرح الخلل الذي يجعل الإسلام والعرب يقومون بمثل هذه العمليات؟ وأن في الإسلام خلل لا بد من إصلاحة. ويأتي تشديد الكاتبة على أنها مسلمة مؤمنة ليزيد من مصداقية ما تقول لدى القارئ الغربي الذي لا يمكن الاعتماد على ذكاءه وخبرته في أن يكون صاحب قدرة تحليلية، ومناعة ثقافية، فلا يصدق ما تكتبه إرشاد منجي.



موقع كتاب "الخلل في الإسلام" على الانترنيت والذي يحوي ترجمة عربية للكتاب:
http://www.irshadmanji.com/arabic-edition



عرائس الحدود والورق
..................................................



يقدم فيلم "طائرة من ورق" وهو من إنتاج لبناني فرنسي إيطالي عام 2003 قصة مثيرة عن علاقة حب في المنطقة الحدودية تجمع بين فتاة درزية لبنانية وجندي إسرائيلي من أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل، وتدور فكرة الفيلم حول وجود أبناء الطائفة في قريتين يفصلهم حقل من الألغام، القرية الأولى تابعة للبنان، والثانية لدولة الاحتلال، ومشاهد الأسلاك الحديدية الشائكة وحقول الألغام تدفع الناس في القريتين إلى التجمع يوميًا على جانبي جدار الأسلاك الفاصل بين البلدتين ليخاطبوا بعضهم عن طريق مكبرات الصوت من الواضح أن أحداث الفيلم مأخوذة عن الواقع الجولاني، وألصقت على الواقع اللبناني، ويبدو أن الهدف هو إثارة المشاهد الأوروبي والحصول على جوائز المهرجانات! من هذا يبدو أن رغبات الممول الأوروبي واضحة من خلال عدم التطرق إلى الشريط الحدودي على أنه نتيجة واقع محتل.

قصة الفيلم
يحكي الفيلم قصة لمياء الفتاة اللبنانية التي يرغمها أهلها أن تتزوج من ابن عمها في الجانب المحتل، فتعبر الحدود لأجل الوصول إلى النقطة العسكرية الإسرائيلية. لكنّ لمياء بنت السادسة عشرة التي لا تزال تتابع دروسها ولا تعرف عن الزواج الشيء الكثير غير ما تخبرها به صديقتها في المدرسة، تقع في حب الجندي على برج المراقبة، وتبدأ قصة الحب حين تخاطر لمياء المغرمة باللعب مع شقيقها الصغير بالطيارات الورقية في المشهد الأول من الفيلم بالدخول إلى حقل الألغام الفاصل بين الجانبين لأجل إنقاذ طائرتها الورقية التي رمتها الريح من فوق الأسلاك الشائكة، ويجري كلّ ذلك تحت أنظار المجند الإسرائيلي الذي يصرخ بالعربية لإبعادها وإنقاذها من الألغام بعد عبورها إلى المنطقة الخطرة.

الإنتاج يعفي الاحتلال من المسئولية
ربما أراد الفيلم التوجه إلى الجمهور الأوربي ولذلك فقد شدد على الناحية الإنسانية وحاول التخفيف من الجرعة الواقعية السياسية، وتجنب توجيه اللوم إلى إسرائيل كونها دولة محتلة. الجمهور الأوروبي لا يعرف الشيء الكثير عن طائفة الموحدين الدروز التي تناولتها المخرجة في فيلمها، وربما اختلط عليه الأمر بين ما قد يكون قد شاهده على الشاشات الصغيرة في التقارير الاخبارية من حوارات بمكبرات الصوت في منطقة الجولان السوري المحتل وبين الأهالي في المنطقة التي يتناولها الفيلم.

دور زياد رحباني؟
ما جعل هذا الفيلم يحظى دون غيره بمثل هذا الاهتمام العربي ويعرض مرارًا وتكرارًا هو قيام الموسيقي اللبناني زياد رحباني بلعب دور جندي درزي إسرائيلي يقيم علاقة مع مجندة روسية، ويشارك زياد رحباني بدور بسيط، لا يؤثر على تركيبة القصة، فيما لو حذف منها. ويبدو أن المخرجة قد استثمرت وجوده لأجل الترويج لفيلمها محليًا وعربيًا، بدليل أن الإعلان عن عرضه في مكان ما سيأتي بمعجبين زياد إلى المكان، لكن شخصية زياد الساخرة من تفاصيل الحياة بقيت هي ذاتها في الفيلم، لكنها لم تقدم أي شيء جديد.

فلافيا بشارة

مسح الجوخ ...
يبدو أن النقاد والصحفيين العرب واللبنانيين لا زالوا عالقين في ورطة المجاملة، فإن الورطة الكبرى في الحديث عن فيلم كفيلم طيارة من ورق وما يحمل من إشارات سلبية على سينما تنحرف نحو متطلبات المهرجانات الأوروبية، هي مسح الجوخ للمخرجة رندة الشهال ولزياد رحباني. ويبدو أن الاعتبارات الشخصية تلعب دورًا أكثر أهمية من المحاكمة السينمائية المهنية. فيقول الناقد اللبناني غسان عبد الخالق في مديحه لزياد رحباني:"هذا الجندي الفيلسوف الذي يقوم بدوره زياد رحباني، يعود إليه الفضل في إضفاء إيقاع رائع من الموسيقى التصويرية للفيلم، مثلما يعود إليه الفضل في إعطاء الحوارات الخاصة به بعدًا عميقًا للأحداث التي تجرى أمام عينيه ويعلق عليها بسخريته المرة
والسوداء".

محاكمة أم أوسمة؟
هل الفيلم رسالة سلام إلى إسرائيل على حساب معاناة العرب السوريون في الجولان، "اللبنانيون في الفيلم"، فتعاملت المخرجة معهم كما تتعامل إسرائيل على أنهم دروز أولا وأخيرًا، فهكذا يصبح الاحتلال أمرًا هامشيًا وتصبح صورة النساء والرجال الدروز الكاركتورية أكثر بروزًا من معاناة السكان من الاحتلال؟
وعلى ضوء هذا الفيلم هل نحاكم هذه السينما التي تتعامل مع الواقع السياسي على هذا النحو؟ أم أن الفن والسينما في هذه الحالة لغة تخص نفسها وتقدم عالمها على طريقتها؟ في الحالتين فإن النقاش مفتوح لأجل إثراء المعرفة، ولكن ضياع الطاسة في الحالة الثقافية والسياسية في لبنان والدول العربية يجعل رئيس الجمهورية اللبنانية يقوم بمنح المخرجة رندة الشهال وسامًا بسبب حصولها على جائزة الأسد الفضي عن الفيلم في مهرجان البندقية، وكأن الجائزة أهم من القيم والاعتبارات الإنسانية للسكان الواقعين تحت الاحتلال!


24 يناير 2009



"أورينتال" أوالشرق الراقص


..................................................

يتابع الفيلم التسجيلي "أورينتال" أي الشرق وهو من إخراج المخرج الإسرائيلي آفي نيشر راقصة روسية إسرائيلية وعلاقتها بأربعة عازفين عرب في لقاء يجمعهم من أجل إنتاج عرض موسيقي راقص مشترك، ويقدم الفيلم وجبة إضافية لهذه العلاقة الخاصة بين ثقافتين مختلفتين عبر توظيف قسري لمقاطع أرشيفية ولقاءات شخصية لمفاوضات كامب ديفيد الفاشلة عام 2000 بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

حوار شرقي
يحاول آفي نيشر أن يصنع من فيلم "أورينتال" فيلمًا ذا طابع خاص، فيجمع بين قصة الراقصة الروسية "إلينا" مع العازف "صالح هيبي"، وبين قصة المفاوضات في "كامب ديفيد" عام 2000، وذلك عبر عرض القصتين بصورة متوازية في محاولة لإلقاء الضوء على الثقافة العربية مقارنة بالغربية، فتتقاطع المشاهد بين القصتين ويسير سيناريو الفيلم نحو توضيح الفارق بين ما يفهمه العرب من ضوابط الاحترام والتقاليد في كلتا الحالتين، وما يعتبره الغربيون حساسية زائدة عن الحاجة.
يشير الفيلم إلى طريقة وأسلوب الحوار في كلتا القصتين فيتشابه العرب في الحالتين أكانوا عازفين أم مفاوضين لأن السياسة والحساسية أكثر الأشياء التي يعيشها العرب الفلسطينيين بشكل يومي. فيحكي صالح هيبي قصة والدته التي أصيبت بالعمى من كثرة البكاء يوم التقت أباها المهجر بعد فراق دام عشرات السنين. ويشدد يوسف مخول على الكرامة وشجرة الزيتون ويستعيد ذكرى النكبة الفلسطينية.

"أورينتال" كامب ديفيد 2000.
يقدم الفيلم عبر قصة المفاوضات تحديدًا كيف يرقص الفلسطينيون والإسرائيليون كلٍ على إيقاع مختلف، فيتحدث من الجانب الفلسطيني كل من نبيل شعث، حنان عشرواي، صائب عريقات، جبريل الرجوب وياسر عبد ربه، ومن الجانب الإسرائيلي شمعون شمير،إيهود براك وأمنون شاحاك.... ويصف الجميع كيف أضاع الطرفان فرصة الاتفاق بسبب تباين المزاج بين عرفات وبراك.
ويأخذ الفيلم أبعاده النهائية في القصة الأساسية حين يتفجر الخلاف بين صالح هيبي والراقصة "إلينا" لأسباب مادية، ولأسباب أكثر أهمية تتعلق بالصراع على إدارة الأمور وتقرير الشكل النهائي للعرض الموسيقي الراقص. وهكذا، سرعان ما تتفجر المشاعر، فالجانب الفلسطيني لا يرضى أن يلقن المعطيات والتفاصيل، ويرفض أن يكون أداة بيد الراقصة أو المفاوض الإسرائيلي على ما هو ملك حقيقي له. فغيرة صالح هيبي ورفاقه العازفين على الرقص الشرقي وإيقاع البطن تماما كغيرة المفاوض على الأرض وحق العودة، ويصرّ الفلسطيني أن يكون شريكًا أساسيًا في كل ما يخص تراث الرقص وملكية التاريخ والأرض.

مقاهي التعايش
تشهد المقاهي العربية في الفترة الأخيرة لقاء مثيرًا أكثر واقعية من الفيلم التسجيلي لآفي نيشر، فقد أصبح ولع الإسرائيليات بالرقص الشرقي صرعة لا شفاء منها، فتكثر مدارس تعليم الرقص، في كل مكان، وتجد الطالبات المواضبات في هزّ البطن علاجًا للكثير من أمراض الشخصية الإسرائيلية التي تبحث عن ذاتها في هواء الشرق. ويصبح التعايش وهو حلم قديم قيد التحقيق بين العازفين العرب والراقصات اليهوديات، فيتوكل أصحاب المزاج الحسن بتجميع خيرة العازفين وأسوأ من يهز البطن من مختلف الأعمار النسائية في ليالي أنس تستمر حتى طلوع الفجر.



المخرج الإسرائيلي آفي نيشر



في نهاية فيلم "أورينتال" تفشل المفاوضات، وينجح العازفون والراقصة في حلّ الخلاف فيما بينهم، ويقدمون في النهاية العرض الراقص لما فيه مصلحة مشتركة للجميع. ويقول صالح هيبي: "إن كان السلام الذي على منصة العرض سيجلب السلام المنشود فأنا مستعد للنوم على المنصة لأجل هذا السلام"!
يبدو أن هذا ما كان ينقص صورة التعايش العربي اليهودي ولتكتمل رؤية المخرج الإسرائيلي آفي نيشر في كون الموسيقى والرقص تحقق أكثر ما تحققه المفاوضات التي لا تفعل شيئًا سوى إثارة الخلافات أكثر مما هي في واقع الحال، وان العرب هم سبب فشل الحوار، والفاهم يفهم!






مستوطنة أندروميدا

..................................................
المكان مغلق على مدار اليوم. لا يمكن الدخول إليه إلا عن طريق المدخل الرئيسي، حارس على المدخل بشكل دائم. المياه في بركة السباحة تُستبدل كل ساعتين. أسعار الشقق تبدأ من نصف مليون دولار لبيت مكوّن من غرفتين وتصل إلى عدة ملايين. جهاز الأمن ينشر كاميرات التصوير في كل زاوية، إضافة إلى طابق مخصص كملجأ ضد الغازات السامة والأسلحة البيولوجية.. إنها أندروميدا المحرمة على الغرباء.

بدأ البناء عام 1995 حين قام رجل الأعمال اموري جولدمان صاحب شركة جولدفين هوليدينجس بتوقيع صفقة مع البطركية الأورثوذكسية اليونانية عام 1989. من بنود الصفقة أن تبني شركة جولدمان مشرع بناء فاخر على 16.7 دونمًا من أراضي التلة، بالمقابل تحصل الكنيسة على 34% من مدخولات المشروع.

المخططون لبناء أندروميدا أرادوه قريبًا من مناخ يافا الرومانسي الشرقي، الذي قد يجلب الأغنياء من كل أنحاء العالم، إلا أنهم بدل ذلك جعلوه بعيدًا عن البناء المحيط في يافا العربية، والنتيجة بناء عصري يشبه أكثر ما يشبه المستوطنات في الضفة الغربية.

يعيش سكان أندروميدا في مدينة داخل مدينة، فهم ليسوا بحاجة إلى أن يخرجوا إلى يافا، سياراتهم تدخل إلى الموقف في داخل البناء ومنه مباشرة عبر مصاعد كهربائية على بيوتهم. كل احتياجاتهم متوفرة: سوبر ماركت مقاهي، مسابح، مغاسل ثياب، غرف عرض أفلام، غرفة تدريب لياقة بدنية. مدينة في داخل المدينة، سكان أندروميدا معزولون عن العالم الخارجي فزجاج النوافذ مكوّن من طبقتين كي يحمي المكان من الضجة.

عن أندروميدا
جاء اسم أندروميدا من الأساطير اليونانية ويرتبط بخطأ التسرع، فقد كانت أندروميدا أميرة جميلة فاخرت أمها بأن ابنتها أجمل من ابنة بوسويدون إله البحر وأجمل من كل عرائس البحار. انتقامًا من هذا القول أرسل بوسيدون الوحش كي يقتل كل نساء المملكة، فقام والد أندروميدا كاباوس كسيوبا بربطها على صخرة على شاطيء يافا كي يقدمها ضحية للوحش وحتى يلغي بوسيدون الأمر بقتل كل النساء. ولكن برساوس إبن زيوس زعيم الألهة حوّل الوحش إلى حجر وحرّر اندروميدا كي يتزوجها.
تقع أندروميدا أو "التلة اليونانية" وهو الاسم الموجود في مخططات البلدية فوق ميناء يافا مباشرة بارتفاع 26 متر فقط، وهي محاطة بكنيسة سانت جورج من الجهة الشمالية وبكنيس يهودي من الجهة الجنوبية بني في القرن التاسع عشر.

الكنيسة تبيع الأرض لمستثمر يهودي
أثار المشروع سخط أهل يافا العرب أكثر من غيرهم، ففي الوقت الذي يعاني فيه سكان يافا العرب من ضائقة السكن فإن البطركية اليونانية الأورثوذكسية عقدت صفقة لبيع الأرض التابعة لها مقابل حصولها على نسبة من أرباح المشروع. سكان يافا العرب يرون أنهم أحق بالأرض فلماذا لا تحل الكنيسة ضائقتهم السكنية أيضًا، وعلى أثر ذلك رفع سكان يافا العرب من أبناء الطائفة مائتي دعوى ضد المشروع.
البطريارك السابق ثيودوروس والذي وقع على الاتفاقية في العام 1989 فضّل المنفعة الاقتصادية على مصلحة أبناء الطائفة اليونانية الأورثوذكسية والذين تبلغ نسبتهم 70% من المسيحيين في يافا.
الجمعية الخيرية الأرثوذكسية في يافا اتهمت البطريارك أنه لم يبلغها أساسًا بالأمر، ولم يعرفوا عن المشروع إلا عن طريق الصدفة. كل المحاولات لمنع المشروع ذهبت أدراج الرياح ولم تلقَ أذانًا صاغية لدى البلدية، مما أكد أن المشروع ينطوي تحت مشروع أكبر بكثير يرمي إلى تهويد يافا. عارض المجتمع العربي والأرثوذكسي في يافا البيع من منطلق أن الاتفاقية تنص على أن يملك المشروع الأرض لمدة 99 عامًا، وتنص الاتفاقية أن البطركية تحصل على 30% من المباني، لكن البطركية باعت حصتها للمشروع وخدعت الأهالي.

أهالي يافا ساخطون
في نهاية الأمر لم يعد المتدينون يهتمون بأمر أندروميدا، ولكنه لا زال يثير سخط سكان المدينة العرب، وذلك بسبب وجوده في قلب مدينة يافا العربية. بناء كبير محاط بالجدران، يمثل الغنى اليهودي الفاحش مقابل الفقر الذي يعيبش فيه السكان، وكأنه محاولة صارخة لتهويد يافا. عدا عن الفارق الاجتماعي فإن الفارق القومي له تأثيره البالغ بكل تأكيد، فهو قلعة محصنة يسكنها اليهود من أصحاب الثروات ويبقى للعرب دور عمال النظافة لا غير.
حسب المخطط الأولي كان من المقرر أن يبقى المكان مفتوحًا للجمهور وأن يكون هناك معبر إلى داخل المبنى يوصل إلى نقطة يُشاهد منها ميناء يافا، كما وطلبت البلدية أن يبنى صاحب المشروع حديقة في مدخل البناء قرب شارع يافت، وأن تبنى مؤسسة جماهيرية وحديقة وموقف سيارات، ولكن شيء من هذا لم يحدث وبقيت المعابر مقفلة لأسباب أمنية.

ما هي مصلحة المتدينون اليهود؟
مع بداية البناء في تلة أندروميدا كان يبدو أن المشكلة التي تمنع البناء هي اكتشاف بقايا أثرية، قبور وعظام يهودية، على أثر ذلك حاول المتدينون اليهود أن يمنعوا الاستمرار في البناء، فقاموا بمظاهرات مقابل المكان، حافلات مليئة بالمتدينين وصلت من بني براك ومن القدس في محاولة لمنع الاستمرار بالبناء، حتى أن تدخلت وزارة الأديان في الموضوع.
كتبت صحيفة هآرتس حول معارضة المتدينون اليهود تقول: "المتدينون اليهود قاموا بما قاموا به بسبب اعتقادهم أن في المكان عظام يهودية يجب الحفاظ عليها، هذا الإدعاء غير حقيقي في كثير من المرّات، وهو يهدف إلى عرقلة عمل سلطة الأثار وتسجيل مكان جديد لصالح المتدينون اليهود يسيطرون عليه، لا يهم عظام من تكون في المكان، فهي بحسب رأيهم مكان مقدس لليهود. والدليل على ضعف اعتقادهم هو تخليهم عن مقاومة المشروع بعد وقت قصير وبعد أن أصبح المشروع أمر واقع."
بعد المعارضة التي واجهها المشروع من قبل سكان يافا العرب والمتدينون اليهود قامت الشركة المنفذة للمشروع بالتوجه إلى المحكمة والتي حكمت بالاستمرار بالعمل في المشروع.


هذه مستوطنة!
تمثل أندروميدا بنظر الكثيرين من أهل يافا مستوطنة بنيت بين بيوتهم، وهناك من يرى بها احتلالا جديدًا. أحد سكان يافا يقول: "هذا المكان هو مستوطنة جديدة في قلب يافا، عام 1948 طردوا الناس منن بيوتهم في والآن يحرمون من تبقى من السكن على أرضهم. ليس في أندروميدا أي شيء يدل على يافا أو له علاقة بيافا، بنايات عالية وشاهقة ومخيفة، هدفها أن ينعم الأغنياء اليهود بالمكان دون الآخذ بعين الاعتبار الناس الذين ليس لديهم بيوت. في المكان حارس وحاجز، مثل أي مستوطنة".





إحداثيات الرغبة والدهشة مسرحية جدارية
..................................................


كُتبت "جداريه"، النص الشعري الذي تستند عليه المسرحية، في لحظات كان فيها الشاعر محمود درويش يرقد في المستشفى بعد خضوعه لعملية جراحية في القلب، وهي نص شعري يتكلم عن تجربة الموت القريب: "لقد استبد بي هاجس النهاية منذ أدركت أن الموت النهائي هو موت اللغة إذ خيل إلي بفعل التخدير أنني أعرف الكلمات، وأعجز عن النطق بها فكتبت على ورق الطبيب..." يقول محمود درويش. ويضيف حول كتابته للجدارية: "حين كتبت هذه القصيدة طيلة عام 1999، استبد بي هاجس نهاية أخرى وهي أنني لن أحيا لأكتب عملاً آخر، لذلك سميته "جداريه"، لأنه قد يكون عملي الأخير الذي يلخص تجربتي في الكتابة، ولأنه نشيد مديح للحياة، وما دمت قد عشت مرة أخرى فإن علي أن أتمرد على كتابي هذا، وأن أحب الحياة أكثر وأن أحبكم أكثر"
شاهدت مسرحية "جداريه" على خشبة مسرح الميدان في مدينة حيفا مرتين، وكان الممثل والمخرج مكرم خوري في خلال تولي لإدارة المسرح الوطني الفلسطيني في القدس في سنوات 2002 و 2003، وبعد قراءته للنص الشعري "جداريه" للشاعر محمود درويش، قد بدأ يفكر في تحويلها إلى مسرحية من إنتاج المسرح الوطني الفلسطيني، وقام بإبلاغ الشاعر محمود درويش لأجل الحصول على الموافقة، ويكون العرض بالنسبة له غير متوقع، ولكنه يوافق.
يقول مكرم خوري: " كانت الرؤية أن يقدم النص الشعري على لسان ثلاث شخوص: الأنا، هو والأناي، وهي مؤنث الأنا، وبعد توكيل الممثل والمخرج خليفة ناطور بالقيام بالإعداد المسرحي، جاء النص على لسان "الأناة" و"هو"..".
ويقول مكرم خوري عن علاقته الشخصية بمحمود درويش: " كنت أراه في أواخر سنوات الخمسين يسير من قرية الجديدة إلى مدرسته في كفر ياسيف وهو يقرأ في كتاب على طول الطريق، كان يكبرني بثلاث سنوات، وزادت علاقتي به في الفترة التي كان فيها تحت الإقامة الجبرية، في بيته الكائن في شارع عباس في حيفا، فكنا نحن شبان المسرح الناهض في حينه أواخر الستينات، نأتي إليه لنقوم بتسليته".
بدأت التحضيرات للعمل عندما قام مكرم خوري باختيار المخرج أمير نزار زعبي ليقوم بإخراج المسرحية، وكان قد شاهده في مسرح القصبة في مدينة رام الله في عرض "قصص تحت الاحتلال"، ونزار أمير زعبي هو مخرج شاب لم يبلغ الثلاثين بعد، لا يزال في بداية مشواره في عالم الإخراج المسرحي.

الإعداد المسرحي
بدأ الحوار بين المجموعة وبدأت جلسات العمل على فترات متقطعة استمرت شهورًا طويلة، وكان خليفة ناطور قد جهز الإعداد المسرحي للنص الشعري بعد قراءات متكررة للنص، ويمكن اعتبار أن ما قام به خليفة ناطور في إعداده المسرحي للنص الشعري للجدارية يعيد إلى الإعداد المسرحي شأنه ومهنيته، بعد أن كان مصابًا لفترة طويلة بداء الاستسهال، والاقتباس المشوه.
ويقول خليفة ناطور أن النص الشعري كان يدله على الشخصيات، وما كان عليه سوى اتخاذ توجه محدد يعمل على أساسه لتخرج الشخصيات وتقول نصها، ويرى أن التوجه الصحيح نحو العمل يخلق إعدادًا أساسيًا سليمًا، فاستطاع أن يخلق شخصيات غير موجودة في النص بتاتًا، كمجموعة المسافرين... وأهم ما في الأمر فصل الشاعر المتحدث إلى شخصيتين الأمر الذي يوحيه النص حين يخاطب الشاعر الموت: "يا ثالث الاثنين...".
التمعن في النص المسرحي بعد إعداده قياسًا إلى النص الأصلي للجدارية، يجد أن العمل الذي قام به الإعداد هو عمل صاحب رؤية واعية، وحرص طاقم العمل أن يكون الشاعر على إطلاع على كل ما يجري وحتى التدقيق في كيفية نطق أواخر الكلمات، تسكينًا أم تحريكًا، من ناحيته أبدى الشاعر درويش مرونة بالغة في إعطاء طاقم العمل كامل الحرية حول كيفية الإعداد، مشترطًا عدم التغيير والزيادة في النص الأصلي، مع إعطاء المُعد حرية الاستغناء عن جزء من النص الشعري قد يكون غير مناسبًا الحدث الدرامي والفعل المسرحي.
في حقيقة الأمر، فإنه وبعد الإعداد المسرحي الأول، جرى التعاون المشترك بين المعدّ والمخرج بشكل استثنائي، فقد كان للمخرج أمير نزار زعبي، رؤية إعدادية ساهمت في أن يأخذ الإعداد شكله النهائي. وكان الحوار بين المعد والمخرج يدور على أساس التوجه نحو الحدث الدرامي والفعل المسرحي، وهكذا فقد ساهم كلا الطرفين في وظيفة الآخر.
ارتكز العمل المسرحي في "جداريه" على ثلاث أضلاع رئيسية: مكرم خوري المدير الفني للمسرحي الوطني الفلسطيني، وهو صاحب فكرة تحويل "جداريه" إلى المسرح، وهو العنيد المصمم دون تردد على خوض التجربة. خليفة ناطور صاحب التوجه والرؤية الإعدادية المميزة، والتي تتسم بمهنية عالية، والمسكون بالحب لشعر محمود درويش. أمير نزار زعبي المخرج الذي يملك عينًا حساسة، ويملك مهنية محايدة، الذي حاول في ذات الوقت عدم الوقوع تحت التأثيرات التاريخية للنص الدرويشي من منطلق التوجه المهني الصرف، الأمر الذي ساعد في نجاح العمل.
كان لا بد من الوثوق بشخص يستطيع أن يعمل دون حساسية وحب مبالغ به، ويستطيع أن يلتزم بقدر كبير من الحيادية، وإلا لما كانت النتيجة على ما هي عليه. وهكذا جري العمل بين أضلاع المثلث المحكوم برغبة أصيلة، مقابل الشاعر كنقطة ارتكاز خارج المساحة.

إشكالية النص الشعري في المسرحية
لغة محمود درويش، هذه اللغة السارقة، لغة تسرق قارئها من نفسه وتأخذه كلمة كلمة، تنزلق عيناه على الأحرف بسرعة الكهرباء، لغة لا تعرف الفواصل أو النقاط، يلهث القارئ خلفها كأنثى عصية على الاقتناص، وكأنها لغة لزجة مدهونة بالزيت.
"احفظ اسمك جيدا /لا تختلف معه على حرف/ كن صديقا لاسمك الأفقي /لا تعبأ برايات القبائل /جربه مع الأحياء والموتى/ دربه على النطق الصحيح/اكتبه على أحدى صخور الكهف".
في العمل المسرحي "جداريه" كان لا بد من القص في اللحم واختيار ما يناسب للعمل المسرحي، لكن الأمر لم يكن بالعمل السهل فستزول حينها وحدة النص الشعري وسيتم الاستغناء عن بعض الصور الجميلة، ولولا المهنية المحايدة لما كان بالإمكان فعل ذلك. ففي الوقت الذي لم تكتب فيه الجدارية للمسرح ولم يفكر شاعرنا أن تكون عملاً مسرحيًا، رغم كونها مونولوج طويل يحمل الكثير من العناصر المسرحية، إلا أن القرابة العضوية بين المسرح والشعر منذ عصر المسرح الديني الطقسي القديم، والمسرح اليوناني مرورًا بمسرح شكسبير الشعري، ومسرح أحمد شوقي الموزون أوصلت طاقم العمل إلى إيجاد الصيغة المسرحية المناسبة، خاصة أن الموت الذي يشكل هاجسًا لدى الشاعر هو مضمون إنساني بحت بعيد عن كونه فلسطينيًا، في ذات الوقت الذي يحمل الكثير من الرموز والدلالات: "سأصير يوما فكرة، لا سيف يحملها /إلى الأرض اليباب، ولا كتاب /كأنها مطر على جبل تصدع من/ تفتح عشبة/ لا القوة انتصرت/ ولا العدل الشريد ".
وتجيء خيارات المخرج ليكون قول النص الشعري بطريقة تختلف عمّا تعودنا عليه في إلقاء الشعر أو عن الطريقة التي يلقي فيها محمود درويش شعره، ويتطرف الخيار في قول " أناه" للشعر في سرعة درامية إيقاعية، يقدمها خليفة ناطور الشاب القلق من قدوم الموت، المتحضر له، المنفعل النزق، وهو بذلك يعطي بعدًا دراميًا لطريقة القول التي يؤديها "هو" مكرم خوري الشق الآخر، وهو على فراش الموت، الذي يبدو أقل هياجًا. هذه الخيارات الإخراجية تفضي بنا إلى السؤال: هل أحضرت "جداريه المسرحية" شعر محمود درويش إلى المسرح أم أن المسرح قد ذهب إلى شعر الجدارية؟ والجواب على هذا السؤال هو بالتحديد التوجه الإخراجي والإعدادي الذي اختاره المخرج وطاقم العمل.

مونولوج الموت، حوار مع الصمت
في مشهد "موعد مع الموت" يقف "أناه" يخاطب الموت في مونولوج يؤديه خليفة ناطور: "يا موت انتظر يا موت/ حتى أستعيد صفاء ذهني في الربيع وصحتي/ لتكون صيادًا شريفًا / لا يصيد الظبي قرب النبع". في هذا المشهد يختزل الشاعر وكذا يفعل المخرج النص الشعري في مواجهة أكيدة مع الموت، تتطلب بالضرورة فعل الخطاب أو المونولوج الذي لا بد فيه من التوجه إلى الموت مباشرة، ويكون الموت في هذه الحالة شريكًا مسرحيًا صامتًا، يزيد من قسوة الفعل المسرحي ويزيده ثقلاً دراميًا، فترتعد له حنجرة الشاب الذي لا يزال متمسكًا بحبه للحياة، لأن الموت في حالته المجازية على الأقل، هو موت اللغة التي لأجلها يعيش الشاعر، فيخاطب الموت:"...اجلس/ على الكرسي! ضع أدوات صيدك/ تحت نافذتي. وعلق فوق باب البيت/ سلسلة المفاتيح الثقيلة! "
وعن هذا يقول الشاعر محمود درويش: "صراع هذه القصيدة مع تجربة موت شخص لم يكن في حاجة إلى الإشارة الواضحة، إلى أن حياتنا العامة هي صراع جماعي ضد موت الهوية وموت المعنى، وأن انتصارا الشعر على الموت المجازي منذ كان الشعر ربما يحمل دلالة قريبة أو بعيدة إلى قيامتنا الجديدة"
وفي الجداريه :" كان الموت أبطأ/كان أوضح. كان هدنة عابرين/ على مصب النهر.أما الآن،/فالزر الإلكتروني يعمل وحده./لا قاتل يصغي إلى قتلي.ولا يتلو/وصيته شهيد".

خيارات وجماليات المشهدية السينمائية
يحسب لمخرج "جداريه" قدرته المضاعفة في نقل النص الشعري إلى المسرح، وفي نقل المسرح إلى السينما، ففي مشاهد الساحل السوري، عناة وأنكيدو والحصادون، تحتلنا تلك المشهدية السينمائية الساحرة، ويفاجئنا خيال المخرج، وتكون تلك المشاهد غير المتوقعة هي أجمل ما في العرض المسرحي، ويكون أجمل ما في العرض حقًا هو المشهد غير المتوقع!
خيار إخراجي آخر هو الحقيبة التي يحملها " أناه" و"هو" فهل هو المسافر إلى الموت؟ أم الفلسطيني المشرد؟ أم ببساطه القادم إلى المستشفى لأجل إجراء عملية جراحية؟ وبعدها تصبح الحقائب خمس أخرى، تحمل كل واحدة عالمًا آخر داخلها، تضيئه كهرباء ساكنة.
المشهدية الجميلة في مشهد عناة التي تدخل من طرف المسرح وهي تنشد:"هل كلّ هذا السحر لي وحدي/ أما من شاعر عندي/يقاسمني فراغ التخت في مجدي؟ ويقطف من سياج أنوثتي ما فاض من وردي...؟"
وفي خيار آخر يقطّع المخرج العرض المسرحي إلى جزأين: كامل المسرحية حتى المونولوج الأخير الذي يقوله مكرم خوري مواجهًا الجمهور في نقلة واضحة، تنقلنا إلى نوع مسرحي آخر وتكون بذلك الجزء الثاني والأخير من العرض، فهل كان هذا خيارًا واعيًا؟ أمير نزار زعبي، مخرج مسرحي يملك أدوات جديدة مختلفة، قادر على إدهاشنا، وقادر على رمي الأسئلة الصعبة بوجهنا.


"جدارية" علامة مميزة.
"جداريه" من العلامات المميزة في مسرح الداخل الفلسطيني، هي مسرح مختلف، ذلك لأنها تتحدث عن الإنسان أينما كان، فهي تجتاز الهم الفلسطيني الخاص في لغة محمود درويش المهجّر من بلدة البروة في سن ست سنوات إلى مواجهة الموت الشخصية، إنها عمل شعري.
أهم ما في هذا العمل كونه فلسطينيًا لا يحكي عن فلسطين المنكوبة بقدر ما يحكي عن الإنسان الذي سكن الشاعر في لحظات المواجهة مع الموت، وبذلك تكون جداريه حدثًا واعيًا كتبت بوعي غائب وصنعت بوعي مُدرك. يمكن لجدارية المسرحية أن ترسم إحداثيات الجدار الفاصل بين ما كانه الشعر والمسرح الفلسطيني، وما سيكونه...فهي تحمل إحداثيات الرغبة والدهشة، إحداثيات الشعر والمسرح، نقطتا الثبات والارتكاز في ثقافة الفلسطيني المعاصر.


23 يناير 2009




ما تبقى من حي وادي الصليب

..................................................
عند المرور مقابل حي وادي الصليب في حيفا، تُشاهد عن بعد تلك البيوت العربية الجميلة والتي تبدو بأسوأ حال، عند دخولي إلى الحي لأجل رؤية البيوت عن قرب، أشعر وكأنني في مدينة أشباح، بعض البيوت مهدمة، والبيوت الصالحة أغلقت نوافذها وأبوابها بالطوب، وقد كتب على مدخل البيوت:"منطقة خطرة، ممنوع الدخول". هذا دير اللاتين، وهذا بيت عائلة جرّار وهذا بيت عبد الرحمن الحج، في الليل يكون التجوال في الحي أكثر خطورة، فهو مكان مثالي للمدمنين على المخدرات واللصوص. فمن الذي يريد أن يسرق ذكريات السكان الأصليين للمكان؟ دخلت إلى الحي وبدأت الرحلة من الماضي.

حيفا العربية
كانت حيفا القديمة قرية للصيادين. عمّرها ظاهر العمر في العام 1761 ولم يبق منها إلا بعض الكنائس وبعض المساجد.. تحولت حيفا إلى بلدية في عام 1875 على يد مصطفى باشا خليل، بيته لا يزال قائمًا إلى اليوم، تحول فيما بعد إلى مسرح وادي الصليب، وبجانبه حمام الباشا الذي تحول إلى ملهى ليلي.
بُني وادي الصليب في فترة العشرينات من القرن العشرين، ويظهر من البيوت الباقية أن الأبنية الجميلة تقع في المنطقة العليا، حيث بنى التجار بيوتهم. بينما يظهر من شكل المباني في المنطقة التحتا، ومن نوع الحجارة وتصميم البيوت أنها كانت لعمال الميناء والعتالين.
وحول سبب تسمية الحي بهذا الاسم يقول د. جوني منصور:"سُمي وادي الصليب بهذا الاسم بسبب تقاطع واديين في مكان واحد، وهو ما يشكل صورة الصليب، وفي رواية أخرى تناقلها الناس، أن راهبة كانت تسكن في دير اللاتين على طرف الوادي، قالت أنها رأت أكثر من مرة صليبًا من نور في السماء. واعتمادًا على الفرضية الأولى، فإن تم تجريد الوادي من بيوته فمن الممكن حينها رؤية التقاء الواديين."

ليلة احتلال حيفا
بدأت الهجرات اليهودية إلى فلسطين في عام 1871، وبدأ اليهود يستوطنون حيفا تدريجيًا. في سنوات الأربعين كانت الخطة لاحتلال حيفا جاهزة في بيت الهاجانا. يقول د. جوني منصور:"سقطت المدينة في الليلة الواقعة بين الواحد والعشرين والثاني والعشرين من نيسان 1948 بيد النفوذ الصهيوني قبل سقوطها الرسمي. فقد بلغ عدد اليهود في ذاك العام قرابة ال70 ألفا، بينما بلغ عدد العرب 65 ألفًا. اليهود استقروا في الأحياء المرتفعة على هضاب وتلال جبل الكرمل، وهذا كان أحد العوامل في سرعة سقوط المقاومة الفلسطينية."
بعد سقوط حيفا في 22 نيسان في أيدي قوات الهاجانا، بدأت القوات اليهودية بإفراغ السكان العرب في سفن تتجه إلى عكا ومن ثم إلى لبنان. يقول د.جوني عن تلك الليلة:"كانت خطة الهجوم تُدعى "المقص" وتأتي عن طريق الهدار نزولاً إلى "برج الأنبياء" والبلد، وكانت المعركة الأخيرة في "اللنبي". أما المعركة الأصعب فكانت في بيت النجادة في الحليصة، كانت قاسية وانتهت بمقتل الكثيرين من الطرفين. طوّق الإنجليز المدينة من الغرب لمنع أهل الطيرة من مساعدة أهل حيفا، وتمركز اليهود في أعلى الجبال، ودحرجوا البراميل التي تحتوي على متفجرات، ودخلوا البيوت ليقتلوا ويهّجروا..."
ويضيف:"إن أهالي حي وادي الصليب وعددهم يقترب من 10 آلاف ساكن معظمهم من العمال. تهجروا إلى مخيم جنين وسوريا، وذلك بسبب الخطة التي قضت بأن تبقى الجهة الشرقية مفتوحة بينما تحاصر القوات اليهودية الحي من الشمال والغرب. فليس أمام السكان في هذه الحالة وهم الأقرب إلى الميناء سوى الرحيل بواسطة السفن أو السير نحو الشرق."

مذكرات لاجيء
"بعد الظهر ستذهب أمي إلى ساحة الحناطير في حيفا فتجلب حنطورًا وتضع البحر فيه، وتحمله إلي، هنا، في المخيم، ستضع البحر وراء منجرة الأستاذ قاسم شريفة. وتتركه لي ساعات لأسبح وأستحمّ ثم تعيده مساء إلى حيفا."
هذه الفقرة مأخوذة من مذكرات الكاتب والشاعر أحمد دحبور، حين كان صبيًا في مخيم قرب مدينة حمص في سوريا، وهي مثال حي على ذاكرة الكثيرين من المهجرين أبناء حيفا. ويحكي أحمد دحبور قصته مع وادي الصليب:"ورثتُ اسم هذا الطفل الذي يبدو أن أمي كانت متعلقة به على نحو غريب - كان اسمه أحمد- وقد سمعتُ أبي مرارًا يقول أن أمي ذهبت في ليلة مجنونة إلى المقبرة لتستخرج فلذة كبدها من التراب. وكان يحاول أن يعزيها عبثاً بكلام من نوع: هذه إرادة الله، أخذ أحمد وسيعطينا أحمد آخر... وقد زاد من لوعة أمي أن أحمد مات محترقاً داخل بيتنا القديم في وادي الصليب. وانتقلت الأسرة بعد ذلك إلى وادي النسناس حيث ولدتُ أنا..."

سكان الحي اليهود ينتفضون
بعد إفراغ الحي من سكانه العرب تم جلب عدد كبير من اليهود اللذين جاؤوا من شمال أفريقيا، أغلبهم من اليهود المغاربة، وكان بين سكان الحي الجدد بعض العائلات الرومانية، ووصل عددهم إلى 15 ألف. هذا العدد الكبير شكل اكتظاظًا سكانيًا. كان بينهم عدد كبير من العاطلين عن العمل، وعانى هؤلاء من الإهمال وعدم اهتمام السلطات الإسرائيلية بهم. وقد كانت الشرطة تستغلهم في مواجهة المظاهرات التي كان يقودها الحزب الشيوعي في سنوات الخمسين، إلا أن وقعت الحادثة التي جعلتهم يدركون أن الاضطهاد والاستغلال يحلّ عليهم أيضًا. ففي عام 1959 وقع الانفجار العنيف الأول في إسرائيل على خلفية طائفية، ولم يكن هذا الانفجار سوى ما سمي فيما بعد اضطرابات وادي الصليب التي دامت عدة أيام.
وقعت الحادثة في الثامن من شهر تموز عام 1959. فقد قام شرطي بإطلاق النار على أحد سكان الحي الذي كان سكرانًا، وأصابه في رجله. على أثر ذلك قام 200 من سكان الحي بالهجوم على رجال الشرطة وحاصروهم في سيارتهم. وفي اليوم التالي بدأت المظاهرات، واقتحمت الشرطة الحي وبدأت باعتقال العشرات من النشطاء بينهم قائد التمرد دافيد بن هاروش.
ضابط الشرطة المسئول في المدينة وصل إلى حارة وادي الصليب وعمل على تهدئة الوضع، لكن أنباء كاذبة عن موت المصاب في اليوم التالي أثارت سكان الحي، فهاجم عدد كبير منهم منطقتي الهدار والكرمل، رموا الحجارة على البيوت، وسرقوا الحوانيت وحرقوا السيارات. في الأيام التالية حدثت اضطرابات مشابهة في طبريا وبئر السبع.
وآثار الأمر الجالية اليهودية في المغرب وأعربوا عن قلقهم من أوضاع المهاجرين إلى إسرائيل، وعبّر ملك المغرب محمد الخامس عن قلقه على رعايا بلده من اليهود المهاجرين إلى إسرائيل!
أقلق الأمر السلطات وتخوفت من انتشار التمرد على مدن أخرى يسكنها اليهود الشرقيين، على أثر ذلك قامت على إحداث بعض الإصلاحات، من بينها دفع مبالغ للعائلات كثيرة الأولاد. وبدأت خطة إفراغ السكان من الحي حتى أن أفرغ كليًا في عام 1962، وهكذا تم إفراغ وادي الصليب من السكان للمرة الثانية بشكل مخطط، ونقل سكان الحي اليهود إلى بيوت بديلة في حيفا. وبقيت بعض العائلات العربية تسكن الحي حتى بداية عقد السبعينات.

مشاريع للفنانين اليهود
كتب الصحافي هشام نفاع في شهر أيار 2004 مقالا حول مناقصة تقدمت بها دائرة أراضي إسرائيل، استهدفت السيطرة على حي وادي الصليب بدعوى "تطوير المنطقة" وإقامة حي للفنانين.
عرضت المناقصة مساحة قدرها 55 دونمًا للبيع. وقامت لجنة التنظيم والبناء المحلية في بلدية حيفا بتبني جزء من هذا المخطط. ويقع هذا الجزء المعروض للبيع بين ثلاثة شوارع هي:ستانتون "شيفات تسيون"، البرج "معاليه هشحرور"، وشارع عمر بن الخطاب.
وحسب مقال نفاع كتب على غلاف كتيب المناقصة."حي للفنانين". وجاء في المناقصة:"تدعو دائرة أراضي إسرائيل بهذا لتقديم عروض للتوقيع على عقد تطوير لثلاث سنوات، والذي يتم في أعقابه توقيع اتفاقية استئجار لـ 98 سنة قابلة للتمديد لـ 98 سنة أخرى للموقع المخصص للبناء، واتفاقية استئجار لمدة 49 سنة قابلة للتمديد لـ 49 سنة أخرى للموقع المخصص للتجارة".
نصّ المخطط بوضوح على أنه سيجري هدم عدد من المباني، أنواع المباني المنوي إقامتها، بيوت سكنية، مكاتب، صالات فنون، وورشات لفنانين. ومن المعروف أن البيوت والأملاك في حي وادي الصليب تدار حسب "قانون أملاك الغائبين". في المخطط الذي تقف من وراءه المناقصة لم يشار إلى إمكانية تعويض أصحاب البيوت العرب الأصليين، بأي شكل من الأشكال.
تابع "مركز عدالة" في حينه الموضوع من خلال مكاتبات واستفسارات قانونية. وجاء على لسان المحامية سهاد بشارة من عدالة:"تجري في إطار هذا القانون الكثير من الصفقات الجملة والتي جرى بحسبها تحويل أملاك من الوصي على أملاك الغائبين إلى طرف ثالث، مثل سلطة التطوير. وينصّ قانون أملاك الغائبين على أن كلّ حقوق الغائب تتحول للوصي. وهو يشكّل حسب هذا الإجراء المالك الوحيد".
وفي سؤال إلى هشام نفاع حول الموضوع بعد مرور سنة قال:"بعد انكشاف المخطط تجمدت العملية، ولم تتخذ البلدية منذ ذلك الوقت إي إجراء بهذا الخصوص".

أحلام رئيس البلدية
في العام 2004 وفي أعقاب زيارة سفير كرواتيا إلى إسرائيل إلى مكتب التجارة والصناعة في حيفا والشمال، طلب رئيس بلدية حيفا يونا ياهف من سفير كرواتيا مساعدته بإحضار مختصين كرواتيين، ليقوموا بإعادة ترميم حي وادي الصليب بناءً على خبرتهم في هذا المجال عقب الحرب التي شهدتها يوغوسلافيا. ويقول ياهف إنه أعجب بالعمل المتقن الذي قام به الكرواتيون لإعادة ترميم بيوت كالتي في وادي الصليب.
الترميم الذي ينوي ياهف البدء به بأي وقت يصبّ هو الآخر في ذات المخطط، الذي يهدف إلى تحويل حي وادي الصليب إلى منطقة خاصة برجال الأعمال ومكاتب في البيوت القريبة من الشوارع الرئيسية التي تحيط بالحي. وتحديد منطقة لبناء "حي الفنانين."
يقول د.منصور في لهجة تشاؤمية:"ما تبقى من مساحة حي وادي الصليب الأصلية هو من 15- 20 بالمائة في أحسن الأحوال. وتجري حاليًا عملية هدم مستمرة لبيوت الحي، لأن البلدية تنوي بيع البيوت وتأجيرها لأصحاب مصالح وتجّار."

حوار مفتوح
خلال جولتي في وادي الصليب دخلت أحد البيوت المهجورة ورأيت أن الباب الذي لا زال مفتوحًا، لم يفض سوى إلى غرفتين، كانت النوافذ مسدودة بالطوب وكذلك الغرف الأخرى. حين خرجت من البيت صادفتني امرأة يهودية عجوز:
- ماذا تفعل هنا؟
- بيت جميل، أليس خسارة أن تبقى هذه البيوت مهملة هكذا؟
- أنا أسكن هنا في البيت المجاور... منذ سبعين سنة، الآن يبنون فوق بيتي، جاء أحدهم واشترى السطح ويبني الآن مكاتب، لقد اشترى السطح من العميدار.
- هل كل البيوت للعميدار؟
- نعم فإن كنت تريد بيت فيمكنك أن تذهب لهناك وتشتري.
- وبعدها يمكنني هدم هذا البيت والبناء مكانه بيت جديد؟
- لا يمكنك هدمه. عليك تصليحه وإبقاءه، يريدون الحفاظ على طابع الحي.
- بيوت جميله فعلا، هل كل واحد يستطيع أن يذهب ويشتري؟
- نعم كل واحد شرط أن يكون يهودي، لا يبيعون للعرب، أنت عربي أم يهودي؟
- لماذا لا يبيعون للعرب؟
- لأن العرب حين يدخلون للبيت لا يخرجون منه بعد ذلك، إن كنت يهوديًا يمكنك شراء أي بيت تريد. لقد جاء هذا الملعون الذي يملك الدولارات، واشترى سطح بيتي، لقد ارتكبت غلطه ولم أشتريه، ولكن ما العمل لم أكن أملك المال.
- إذن أنت سبعين عامًا هنا?
- آه قبل قيام الدولة..
- هل تذكرين العرب الذين كانوا هنا؟
- كلهم هربوا إلى لبنان.
- وهل تتذكرين تمرد اليهود المغاربة بقيادة دافيد بن هاروش؟
- نعم، لكن لم يبق أحدًا هنا، لا يريد أحد أن يسكن في بيوت قديمه كهذه.

أسئلة إلى البلدية
توجهت إلى بلدية حيفا بالسؤال حول مشروع حي الفنانين وهل لا يزال قائمًا، وما هي الخطط المستقبلية التي تنوي البلدية القيام بها في الحي؟
جاء الرد الخطي بتوقيع من مكتب الناطق الرسمي باسم البلدية على النحو الآتي:
بات من الواضح بالنسبة للبلدية أن مشرع حي الفنانين غير قابل للتحقيق وذلك لعدم وجود فنانين قادرين على الالتزام بالمتطلبات المادية، والالتزام بالمحافظة على الأبنية القديمة.
تقوم البلدية منذ عشر سنوات بالعمل على خطة بديلة بالاشتراك مع دائرة أراضي إسرائيل، وقد أنجزنا من خلال هذه الخطة تسويق 65% من أراضي الحي وبيوته لجهات خاصة.

هل نعلن وفاة حي وادي الصليب العربي؟
حسب هذه المعطيات فإن توقع د.جوني منصور يبدو قريبًا جدًا لواقع الأمر، الذي بموجبه لن يبقى شيئًا حي وادي الصليب بشكله الحالي فسيتم ترميمه والحفاظ عليه بصورة تامة! بحيث لا يجد أحمد دحبور، أو أمثاله من الحالمين بالعودة إلى حيفا العربية ما يزورونه.فبيت عائلة جرار المعروفة سيتحول إلى متحف، وباقي البيوت ستتحول إلى مكاتب على الأغلب. دير اللاتين وحده سيبقى، على ما يبدو، ذكرى، من الحي الذي كان.











التوازن الذي أحدث الخلل في مسرحية "الخليل"
..................................................


قبل بدء العرض الاحتفالي وقفت مجموعة من المستوطنين أمام مدخل قاعة المسرح في تل أبيب وهم يرفعون لافتات تندّد بعرض مسرحية الخليل. إحدى اللافتات تحمل عبارة " فقط أطفال يهود يُقتلون في الخليل". معارضة المستوطنون للمسرحية أثارت لدى تساؤلات حول حقيقة انحياز المسرحية للجانب الفلسطيني. بعد مشاهدتي للمسرحية توضّحت الصورة.. المستوطنون ليسوا على حق، فالمسرحية تنصف الفلسطينيين والمستوطنين على حد سواء، ولا تنحاز لجانب أحد، فقد لجأ تمير كرينبيرغ كاتب المسرحية إلى إنصاف الجانبين وتوزيع التهم عليهم بالتساوي، وإبداء التعاطف معهم بالتساوي.
المسرحية من إنتاج مسرحي هبيما والكاميري، أكبر مسرحين في إسرائيل، ويبدو أنهما اتفقا على مفاجأة الجمهور الإسرائيلي بمسرحية تخلق حالة من التوازن في واقع الحياة في مدينة الخليل وتوزيع المعاناة على الجانبين بالتساوي. في كراس المسرحية يرد التعريف التالي: "دراما سياسية أصلية ومفاجئة تقدّم الإسرائيليين والفلسطينيين وقد وجدوا أنفسهم في داخل صراع ذو مقاييس أسطورية".
في هذا التعريف ترد كلمة إسرائيلي كتعريف لمستوطني الخليل، مما يعني أن مسرحي هبيما والكاميري، وكيلي أعمال ما يسمى باليسار الإسرائيلي يعتبران أنّ الخليل هي مدينة يسكنها إسرائيليون. كما أسقطت كلمة الاحتلال من التعريف ومكان ذلك كُتب: "تجمّع سكاني يهودي صغير يسجن الأغلبية العربية في مدينته..."، كما أسقطت كلمة مستوطنين أيضًا، وبقيت جملة "دراما سياسية أصلية ومفاجئة..." جملة صحيحة، فالمسرحية مفاجئة حقًا.

قصة المسرحية
تتحدث المسرحية عن عائلة كنعاني الفلسطينية وعائلة القائد العسكري لمنطقة الخليل وهو أحد مستوطني المدينة. تبدأ أحداث المسرحية حين يقوم ابن رئيس بلدية الخليل سابقًا بمحاولة قتل الحاكم العسكري للخليل، ولكنه يصيب ابنه الرضيع عن طريق الخطأ ويقتله وبهذا تنتهي حالة الاستقرار التي سادت المدينة. على أثر ذلك يقوم ابن الحاكم العسكري بقتل الابن الرضيع لعائلة كنعاني مما يخلق حالة من توازن الفجيعة... ملاحقة جنود الحاكم العسكري لابن عائلة الكنعاني ومعاقبة العائلة على أثر ذلك تحتل معظم أحداث المسرحية. الحاكم العسكري يبدو مجبرًا على قطع أشجار الزيتون وهدم بيت العائلة من أجل إجبار العائلة على تسليم ابنها.

خطر الحقيقة التاريخية
يريد كاتب المسرحية أن يقدّم الواقع على أنه لا مخرج منه، وأنّ اليهود والعرب في الخليل وجدوا أنفسهم في واقع فوق إرادتهم، ولذلك فإن المشكلة الحقيقية تبدو في كيفية العيش سوية وليس في وجود احتلال ومستوطنين يملؤهم الحقد، ويذهب كاتب المسرحية أبعد من ذلك بوضع ابن العائلة الفلسطينية المُصاب بإعاقة نفسية في القفص الإيجابي.. فالمعاق الفلسطيني لا يكره اليهود، بل يصادق ابنة عائلة المستوطنين، ويرفض أن يتعامل مع الواقع إلا على أنه لعبة، وبذلك فإنه العاقل الوحيد. من هذا فإنّ النتيجة التي أرادها الكاتب جاءت عكسية تمامًا؛ تسطيح وتجاهل للواقع، رفض للحقيقة التاريخية والواقع السياسي.

توازن سلبي
هناك حاجة ماسة غير مفهومة لدى الجانب اليهودي "المتنور" لخلق توازن بين العرب واليهود داخل إسرائيل، وأحد إفرازات هذا التوازن مصطلحات التعايش والعيش المشترك. ولكن يبدو أن الحالة الهيستيرية بضرورة وجود تعايش وصلت إلى مدينة الخليل؟ .. فهل التعايش هو الجنة المفقودة في العلاقة بين المستوطنين وسكان المدينة الأصليين؟ هذه أسئلة تقنية فقط، ولا حاجة للإجابة عليها، فهي إشارات في منتهى الخطورة تؤكد أن ما يُسمى باليسار الإسرائيلي ولمجرد قلقة من حالة عدم وجود حالة استقرار بين المستوطنين وسكان البلد الأصليين في الخليل، فهو موافق ضمنًا على وجود المستوطنين في الأرض المحتلة. والحقيقة أنه لم تبدر خلال المسرحية إشارة واحدة إلى استنكار وجودهم أو فضح ممارسات الاحتلال، بل على العكس من ذلك.

الجندي الإسرائيلي ضحية
مستوطنون وفلسطينيون وجيش إسرائيلي.. هذه هي الشخصيات التي تشكل المسرحية. أيّ من هي الشخصيات التي يمكن القول أنها ضحية هذا الواقع؟ تقدم المسرحية الجندي الإسرائيلي على أنه الضحية، ضحية وجوده في مكان يتصارع عليه المستوطنون والفلسطينيون، وأنه مرغم على تنفيذ الأوامر، ولكنه في حقيقة الأمر عطوف ورقيق القلب وحتى صاحب نكتة ولسان ساخر يُرغم المشاهد على التعاطف معه. أن تأخذ المسرحية موقف الحياد أمر خاضع للنقاش، ولكن أن تشوّه الواقع وتجعل من الجندي الواقف على الحاجز ضحية في الوقت الذي يقم فيه الجيش الإسرائيلي بقتل فلسطينيين أكثر من مما يقوم به المستوطنون؟ هذا أكثر مما تسمح فيه مساحة الإبداع الفني المسرحي. فالمسرحية تتنكر للواقع عن وعي وتحاول تجميله بل ونقله إلى مكان آخر، مكان لا يشبه المكان.


صوت الحياد
يضع كاتب المسرحية على لسان شجرة الزيتون أقوال تتحدث عن سوء البشر وحاجتهم إلى القتل، وتدين أشجار الزيتون البشر على لجوئهم للقتل، هذا الصوت الذي يتناسى متى بدأ التاريخ، وكأن الحدث الأول في المسرحية وهو قتل الطفل اليهودي من قبل ابن رئيس بلدية الخليل العربي، وهو سبب الحالة المتأزمة، وكأن لا احتلال قبل ذلك، وكأن تاريخ الصراع يبدأ في عام 1967 وليس قبل ذلك.
التوازن الذي أرادت المسرحية خلقه أخل بالواقع والحقيقة والأخلاق والحق.. ولذلك لا يمكن فهم التسامح الذي تبديه المسرحية مع وجود المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة وكأنه أمر واقع، وكأن على الجانبين العيش بسلام، ولا يمكن فهم تجميل الوجه البشع للاستيطان والذي يمارس أبشع وسائل القمع والترهيب. يبدو أن المسرح الإسرائيلي وصل إلى قمة سطحيته وفراغه من المضامين في هذه المسرحية، المسرح الإشكنازي اليهودي على الأصح يعيش في فقاعة بعيدة عن الواقع بل يحاول جاهدًا أن يغيره حتى يُرضي الجميع.

قبل النقد المسرحي
هذه المقدمة التي لن يليها توسع هي ما أسمح لنفسي بكتابته عن مسرحية "الخليل"، فلن أتطرق إلى الجانب الفني والإخراجي والجو المسرحي، وذلك كموقف تظاهري ضد المسرحية التي لم تلب الحد الأدنى من توضيح معاناة الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال.. ولا أعتقد أنه يمكنني بسبب رؤية فنية ما أو لأي من الأسباب المسرحية أن أهمل الجانب الأخلاقي باسم المسرح وحرية الإبداع الفني، بل من الواجب أن يسبق ذلك مناقشة زاوية معالجة المسرحية للواقع بل الحديث عن الغبن اللاحق بالعرب الفلسطينيين في فلسطين التاريخية ومن ضمنهم الممثلين العرب في المسرحية الذين قاموا بأدوارهم بمقدرة عالية.

لو أنّ 1
لو أنّ كلمة الخليل لم ترد في عنوان المسرحية وفي سياق أحداثها لما دل شيء آخر على أنّ هذه الأحداث تجري في مدينة الخليل..

لو أنّ 2
لو أنّ الممثلين العرب قاموا بدور المستوطنين وقام ممثلون يهود بدور العرب الفلسطينيين..

لو أنّ 3
لو أنّ اللغة التي تحدث بها الفلسطينيون كانت عربية بدل العبرية حتى تبدو المسرحية أكثر واقعية، على الأقل حين التحدث أفراد العائلة الفلسطينية فيما بينهم..

لو أن 4
لو أنّ احتجاجًا عربيًا مثل مظاهرة أو ما شابه كان ملازمًا لعرض المسرحية، لربما حدث التوازن الذي أراده مسرحا الكاميري وهبيما..



مسرحية الخليل
تأليف: تمير كرينبرغ.
إخراح: عوديد كوتلر
إنتاج مشترك: مسرح هبيما ومسرح الكاميري.
ممثلون: مكرم خوري، يغيئال ساديه، عيدو روزنبرغ، غسان عباس، رائدة ادون، إفرات أفيف، كلارا خوري، يوسف سويد، هشام سليمان، دويت جبيش، نداف اسولين، ألون دهان، عيدو موسري، نينا كوتلر، يوفال راز، سيفان باز بوجنيم. الأولاد: محمد مشهراوي ويعقوب حنانيا.


22 يناير 2009





كرة في ملعب الهوية..
..................................................

لم تكن سهى عراف مخرجة فيلم "واحدة في الإجر وواحدة في القلب" تعرف شيئًا عن كرة القدم قبل أخذ القرار بتصوير الفيلم، ولكنّها كانت تعرف أنَّ قصة فريق أبناء سخنين هي أكبر من كونها لعبة كرة قدم، إنها قصة البحث عن متنفس يقول فيه العرب لأنفسهم ها نحن أفضل من اليهود؟ وينسون بعد ذلك طرح السؤال: لماذا خسرنا المعركة على الأرض؟ لتتأكد النتيجة بعد ذلك على أن هذا الفوز ما هو إلا وهْم، يريد أصحابه الاستمتاع فيه حتى النخاع، وكأنه المعركة الأولى والأخيرة.

أرادت عرَّاف أن تصنع فيلمًا عما يخصّ الأقلية العربية -كما تدرج التسمية- عبر الدخول إلى العالم الشخصي للشخصيات الرئيسية التي اختارتها لتحكي مجريات الأحداث، بأسلوب سينمائي أقرب إلى الروائي فهو ليس فيلمًا تسجيليًا فقط كونه يروي بطريقته قصة العرب الفلسطينيين في إسرائيل، وصراعهم المستميت ضد المؤسسات الصهيونية، التي لا ترى العرب وتكاد لا تسمع عنهم.

مشجعو الفريق أولا
"قُنبل" هو مشجع دائم للفريق، يتحلى بروح نكتة وسرعة خاطر كقوله بعد إحدى المباريات: "لو خسرنا كنا سنزرع الملعب بامية". وتبدو جميع شخوص الفيلم ذات نكهة خاصة، كما هي قصة فريق أبناء سخنين، الفريق المحسوب على "عرب إسرائيل"، القادر على اختراق جدار اليهودية، صفة الدولة التي يعيش فيها العرب الخاسرون في لعبة الديموقراطية الإسرائيلية، الفائزون هنا وهناك في العاب ثانوية على ملاعب الرياضة والفنون والإستعراض.
"هذا هو الفوز الثاني المهم للعرب بعد فوز صلاح الدين الأيويبي على الصليبيين" هكذا تعبر إحدى شخصيات الفيلم عن فرحتها بفوز فريق البلدة. وبقدر ما تثير هذه المقولة الضحك، بقدر ما تؤكد افتقار القدرة على تحقيق الوجود في ظل غياب معالم الهوية الفلسطينيية، بفعل التشويه الصهيوني المتعمّد. وبقدر ما يريد الكثيرون تحقيق الوجود الفلسطيني، يريد آخرون تحقيق الاندماج في انتصاراتهم الشخصية ذات الطعم الإسرائيلي!
فهل يمثل فريق أبناء سخنين العرب في إسرائيل مقابل اليهود في الدوري الإسرائيلي، أم يمثل إ
سرائيل في العالم، كحامل لكأس الدولة؟ والسؤال الأهم ماذا يريد مشجعو سخنين أن يمثلوا، هل حقًا يريدون تمثيل إسرائيل وتحقيق إنجازات إسرائيلية، أم يريدون تمثيل انفسهم فقط؟
فمن يشجع العرب حين ينافس منتخب إسرائيل فريقًا أوروبيًا؟ الفريق الإسرائيلي أم الفريق الخصم؟ هل يقابل العرب العنصرية والتمييز بالوقوف ضد رموز الدولة الصهيونية؟ هل يختلف إحياء ذكرى يوم الأرض عن الاحتفال بالفوز ببطولة إسرائيل بكرة القدم؟ هذا جزء من الأسئلة التي يحاول فيلم سهى عراف الإجابة عليها، وهو ليس بالأمر السهل خصوصًا وأن هذه الأسئلة لا ترتبط بأجوبتها، بل بأسئلة أخرى كثيرة!

الموت للعرب
لم تتلق عراف دعمًا من صناديق دعم السينما الإسرائيلية، ولكن لو حصل، فلن يغير هذا في تعريف عراف لفيلمها على أنه فلسطيني، حتى لو أنه أنتج بدعم من صناديق السينما الإسرائيلية. فقد أرادت عراف ان تصنع فيلما وفي ذهنها أن ملعب كرة القدم بات حلبة الصراع بين العرب واليهود، فلم تكن تعنيها لعبة كرة القدم بقدر ما كان يعنيها الجمهور أو هذا الكم الكبي
ر من الناس الذين يتواجدون في مكان واحد فيهتف جمهور فريق بيتار القدس "الموت للعرب" ويرد العرب: "بيتار عاهرة" وهكذا تتردد الشعارات وتنحدر إلى لغة بذيئة استعدادً للحرب على أرض الملعب على خلفية موسيقى "هتكفاه"، النشيد الوطني الإسرائيلي، وفي مشاهد أخرى تستعمل عرّاف موسيقى ذات إيقاع حربي كما في لعبة سخنين في بئر السبع، وحين تبدأ اللعبة لا تصوّر عراف اللعبة وإنما العنف الذي يرافق صراع العرب لأجل البقاء.
يتميز الفيلم بإيقاعه الخاص بسبب كونه عن كرة القدم، اللعبة السريعة، وهو أمر أدركته مخرجة الفيلم ومنفذة المونتاج ندى اليسير عن وعي، ولكنه كان اختيارًا صحيحًا، ليس فقط بسبب كونه فيلمًا عن كرة القدم وما حولها ولكن بسبب السينما الجديدة التي تمر بمرحلة المخاض، فتولد قادرة على التعبير عن هموم ومشاكل العرب الفلسطينيين الباقين في إرضهم.
سهى عراف

عرب الدولة أم عرب أنفسهم؟
يمشي الفيلم منذ البداية على مسار الخارطة التي تتداخل في مشاهد الفيلم في انتقالها من بلدة عربية إلى أخرى لتؤكد أن الحكاية ليست حكاية سخنين فقط وإنما كلّ العرب. وفي مشهد صعب ومؤثر يحمل والد أحد الشهداء صورة إبنه في ذكرى أحداث أكتوبر ولكنه يقول أنه ذاهب لمشاهدة اللعبة بعد ذلك، فهذه لعبة مصيرية أما حياة وإما موت.
فهل تقارن عراف بين مشجعي فريق سخنين والمشاركين في إحياء يوم الأرض، والمحتفلين في يوم الزفاف؟ يبدو أن الفيلم يبرز إلى إي درجة يعاني العرب من هوس النجاح وتحقيق الذات، لذلك فإنها لا تجد صعوبة بالغة في إيصال المقولة التي تراها ضرورية أكثر من غيرها؛ حالة التشوية والفوضى والبلبة والرغبة والحاجة إلى إيجاد حلول لمظاهر التمييز والعنصرية والتقتير والظلم التي يعاني منها أبطال فيلمها.

في شرك الإعلام الإسرائيلي
وبعد، فإن إقتراب الفريق من نهاية مشواره يفتح الطريق إلى طرح التساؤلات حول شرعية تمثيل كرة القدم أو عارضات الأزياء وما لفّ لفيفهم للعرب في إسرائيل، وحول محاولة المؤسسة الإسرائيلية إرضاء العرب بنصر خفيف على الطريقة الإسرائيلية، فيحققون النصر والمساواة! ويحققون وهْم وجودهم بمجرد إفساح وسائل الإعلام مساحة، تزداد في الآونة الأخيرة بسبب رغبة أصحاب الأموال من مالكي شركات الانتاج والقنوات جذب أكبر عدد من المشاهدين والمُعلنين، فالعربي الذي كان لفترة طويلة في الظل بات السلعة الرابحة الجديدة، وكأنه -تخيلوا- كائن غريب أصطاده الإسرائيلي من أدغال الشرق وقال: تعالوا، إدفعوا وتفرجوا!