23 يناير 2009






التوازن الذي أحدث الخلل في مسرحية "الخليل"
..................................................


قبل بدء العرض الاحتفالي وقفت مجموعة من المستوطنين أمام مدخل قاعة المسرح في تل أبيب وهم يرفعون لافتات تندّد بعرض مسرحية الخليل. إحدى اللافتات تحمل عبارة " فقط أطفال يهود يُقتلون في الخليل". معارضة المستوطنون للمسرحية أثارت لدى تساؤلات حول حقيقة انحياز المسرحية للجانب الفلسطيني. بعد مشاهدتي للمسرحية توضّحت الصورة.. المستوطنون ليسوا على حق، فالمسرحية تنصف الفلسطينيين والمستوطنين على حد سواء، ولا تنحاز لجانب أحد، فقد لجأ تمير كرينبيرغ كاتب المسرحية إلى إنصاف الجانبين وتوزيع التهم عليهم بالتساوي، وإبداء التعاطف معهم بالتساوي.
المسرحية من إنتاج مسرحي هبيما والكاميري، أكبر مسرحين في إسرائيل، ويبدو أنهما اتفقا على مفاجأة الجمهور الإسرائيلي بمسرحية تخلق حالة من التوازن في واقع الحياة في مدينة الخليل وتوزيع المعاناة على الجانبين بالتساوي. في كراس المسرحية يرد التعريف التالي: "دراما سياسية أصلية ومفاجئة تقدّم الإسرائيليين والفلسطينيين وقد وجدوا أنفسهم في داخل صراع ذو مقاييس أسطورية".
في هذا التعريف ترد كلمة إسرائيلي كتعريف لمستوطني الخليل، مما يعني أن مسرحي هبيما والكاميري، وكيلي أعمال ما يسمى باليسار الإسرائيلي يعتبران أنّ الخليل هي مدينة يسكنها إسرائيليون. كما أسقطت كلمة الاحتلال من التعريف ومكان ذلك كُتب: "تجمّع سكاني يهودي صغير يسجن الأغلبية العربية في مدينته..."، كما أسقطت كلمة مستوطنين أيضًا، وبقيت جملة "دراما سياسية أصلية ومفاجئة..." جملة صحيحة، فالمسرحية مفاجئة حقًا.

قصة المسرحية
تتحدث المسرحية عن عائلة كنعاني الفلسطينية وعائلة القائد العسكري لمنطقة الخليل وهو أحد مستوطني المدينة. تبدأ أحداث المسرحية حين يقوم ابن رئيس بلدية الخليل سابقًا بمحاولة قتل الحاكم العسكري للخليل، ولكنه يصيب ابنه الرضيع عن طريق الخطأ ويقتله وبهذا تنتهي حالة الاستقرار التي سادت المدينة. على أثر ذلك يقوم ابن الحاكم العسكري بقتل الابن الرضيع لعائلة كنعاني مما يخلق حالة من توازن الفجيعة... ملاحقة جنود الحاكم العسكري لابن عائلة الكنعاني ومعاقبة العائلة على أثر ذلك تحتل معظم أحداث المسرحية. الحاكم العسكري يبدو مجبرًا على قطع أشجار الزيتون وهدم بيت العائلة من أجل إجبار العائلة على تسليم ابنها.

خطر الحقيقة التاريخية
يريد كاتب المسرحية أن يقدّم الواقع على أنه لا مخرج منه، وأنّ اليهود والعرب في الخليل وجدوا أنفسهم في واقع فوق إرادتهم، ولذلك فإن المشكلة الحقيقية تبدو في كيفية العيش سوية وليس في وجود احتلال ومستوطنين يملؤهم الحقد، ويذهب كاتب المسرحية أبعد من ذلك بوضع ابن العائلة الفلسطينية المُصاب بإعاقة نفسية في القفص الإيجابي.. فالمعاق الفلسطيني لا يكره اليهود، بل يصادق ابنة عائلة المستوطنين، ويرفض أن يتعامل مع الواقع إلا على أنه لعبة، وبذلك فإنه العاقل الوحيد. من هذا فإنّ النتيجة التي أرادها الكاتب جاءت عكسية تمامًا؛ تسطيح وتجاهل للواقع، رفض للحقيقة التاريخية والواقع السياسي.

توازن سلبي
هناك حاجة ماسة غير مفهومة لدى الجانب اليهودي "المتنور" لخلق توازن بين العرب واليهود داخل إسرائيل، وأحد إفرازات هذا التوازن مصطلحات التعايش والعيش المشترك. ولكن يبدو أن الحالة الهيستيرية بضرورة وجود تعايش وصلت إلى مدينة الخليل؟ .. فهل التعايش هو الجنة المفقودة في العلاقة بين المستوطنين وسكان المدينة الأصليين؟ هذه أسئلة تقنية فقط، ولا حاجة للإجابة عليها، فهي إشارات في منتهى الخطورة تؤكد أن ما يُسمى باليسار الإسرائيلي ولمجرد قلقة من حالة عدم وجود حالة استقرار بين المستوطنين وسكان البلد الأصليين في الخليل، فهو موافق ضمنًا على وجود المستوطنين في الأرض المحتلة. والحقيقة أنه لم تبدر خلال المسرحية إشارة واحدة إلى استنكار وجودهم أو فضح ممارسات الاحتلال، بل على العكس من ذلك.

الجندي الإسرائيلي ضحية
مستوطنون وفلسطينيون وجيش إسرائيلي.. هذه هي الشخصيات التي تشكل المسرحية. أيّ من هي الشخصيات التي يمكن القول أنها ضحية هذا الواقع؟ تقدم المسرحية الجندي الإسرائيلي على أنه الضحية، ضحية وجوده في مكان يتصارع عليه المستوطنون والفلسطينيون، وأنه مرغم على تنفيذ الأوامر، ولكنه في حقيقة الأمر عطوف ورقيق القلب وحتى صاحب نكتة ولسان ساخر يُرغم المشاهد على التعاطف معه. أن تأخذ المسرحية موقف الحياد أمر خاضع للنقاش، ولكن أن تشوّه الواقع وتجعل من الجندي الواقف على الحاجز ضحية في الوقت الذي يقم فيه الجيش الإسرائيلي بقتل فلسطينيين أكثر من مما يقوم به المستوطنون؟ هذا أكثر مما تسمح فيه مساحة الإبداع الفني المسرحي. فالمسرحية تتنكر للواقع عن وعي وتحاول تجميله بل ونقله إلى مكان آخر، مكان لا يشبه المكان.


صوت الحياد
يضع كاتب المسرحية على لسان شجرة الزيتون أقوال تتحدث عن سوء البشر وحاجتهم إلى القتل، وتدين أشجار الزيتون البشر على لجوئهم للقتل، هذا الصوت الذي يتناسى متى بدأ التاريخ، وكأن الحدث الأول في المسرحية وهو قتل الطفل اليهودي من قبل ابن رئيس بلدية الخليل العربي، وهو سبب الحالة المتأزمة، وكأن لا احتلال قبل ذلك، وكأن تاريخ الصراع يبدأ في عام 1967 وليس قبل ذلك.
التوازن الذي أرادت المسرحية خلقه أخل بالواقع والحقيقة والأخلاق والحق.. ولذلك لا يمكن فهم التسامح الذي تبديه المسرحية مع وجود المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة وكأنه أمر واقع، وكأن على الجانبين العيش بسلام، ولا يمكن فهم تجميل الوجه البشع للاستيطان والذي يمارس أبشع وسائل القمع والترهيب. يبدو أن المسرح الإسرائيلي وصل إلى قمة سطحيته وفراغه من المضامين في هذه المسرحية، المسرح الإشكنازي اليهودي على الأصح يعيش في فقاعة بعيدة عن الواقع بل يحاول جاهدًا أن يغيره حتى يُرضي الجميع.

قبل النقد المسرحي
هذه المقدمة التي لن يليها توسع هي ما أسمح لنفسي بكتابته عن مسرحية "الخليل"، فلن أتطرق إلى الجانب الفني والإخراجي والجو المسرحي، وذلك كموقف تظاهري ضد المسرحية التي لم تلب الحد الأدنى من توضيح معاناة الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال.. ولا أعتقد أنه يمكنني بسبب رؤية فنية ما أو لأي من الأسباب المسرحية أن أهمل الجانب الأخلاقي باسم المسرح وحرية الإبداع الفني، بل من الواجب أن يسبق ذلك مناقشة زاوية معالجة المسرحية للواقع بل الحديث عن الغبن اللاحق بالعرب الفلسطينيين في فلسطين التاريخية ومن ضمنهم الممثلين العرب في المسرحية الذين قاموا بأدوارهم بمقدرة عالية.

لو أنّ 1
لو أنّ كلمة الخليل لم ترد في عنوان المسرحية وفي سياق أحداثها لما دل شيء آخر على أنّ هذه الأحداث تجري في مدينة الخليل..

لو أنّ 2
لو أنّ الممثلين العرب قاموا بدور المستوطنين وقام ممثلون يهود بدور العرب الفلسطينيين..

لو أنّ 3
لو أنّ اللغة التي تحدث بها الفلسطينيون كانت عربية بدل العبرية حتى تبدو المسرحية أكثر واقعية، على الأقل حين التحدث أفراد العائلة الفلسطينية فيما بينهم..

لو أن 4
لو أنّ احتجاجًا عربيًا مثل مظاهرة أو ما شابه كان ملازمًا لعرض المسرحية، لربما حدث التوازن الذي أراده مسرحا الكاميري وهبيما..



مسرحية الخليل
تأليف: تمير كرينبرغ.
إخراح: عوديد كوتلر
إنتاج مشترك: مسرح هبيما ومسرح الكاميري.
ممثلون: مكرم خوري، يغيئال ساديه، عيدو روزنبرغ، غسان عباس، رائدة ادون، إفرات أفيف، كلارا خوري، يوسف سويد، هشام سليمان، دويت جبيش، نداف اسولين، ألون دهان، عيدو موسري، نينا كوتلر، يوفال راز، سيفان باز بوجنيم. الأولاد: محمد مشهراوي ويعقوب حنانيا.