22 يناير 2009





هل هذه هي حكاية تهجير طبريا؟


..................................................

يقدم فيلم "يوميات يوسف نحماني" للمخرجة داليا كاربل الأدلة على أن عملية تهجير مدينة طبريا من سكانها العرب الفلسطينيين عام 1948 كانت عملية مبرمجة ومخططة. اليوميات التي داوم نحماني على كتابتها خلال أكثر من أربعين عامًا كانت محور الفيلم. فقد قام نحماني خلال سنوات طويلة بشراء الأراضي العربية على نطاق واسع من العرب عن طريق العديد من سماسرة الأراضي الذين وحسب قول نحماني: "لولاهم لما استطاعت "الكيرن كييمت" من أن تشتري أراضي الجليل"، الأمر الذي كان له الأثر البالغ في السيطرة على هذه المنطقة فيما بعد. منذ العام 1920 اهتم نحماني بشراء السلاح وشراء الأراضي من العرب الفلسطينيين خلال عمله كشرطي خيال في الجيش البريطاني. بعد عام 1935 كرس نحماني حياته لأجل السيطرة على أراضي الجليل.

من هو يوسف نحماني؟
ولد يوسف نحماني أوجرونوفسكي في مدينة الإسكندرية في روسيا عام 1891. صل إلى فلسطين عام 1907 مع أخيه موشيه، ووصل عام 1911 إلى الجليل حيث انضم إلى حركة "هشومير". يعتبر يوسف نحماني من أهم رجالات الصهيونية قبل نكبة عام 1948، ففي الثلاثينات والأربعينات عمل نحماني كلّ ما في استطاعته لأجل إقناع العرب أن يبيعوا أراضيهم "للكيرن كييمت"، فقد أجاد العربية وتحدث اللهجة المحلية بطلاقة إضافة لإجادته للغة الإنكليزية، العبرية والروسية. كان نحماني من أهم الأشخاص في فترة الهجرة اليهودية الثانية، فهو الذي أقام المستوطنات اليهودية دان ودفنا. ويقول بعض المعاصرين العرب لتلك الفترة أنه كانت لنحماني قوة تأثير كبيرة، وهو رجل خطير كلن يجب قتله، فقد عمل كمدير مكتب "الكيرن كييمت" في الجليل طوال ثلاثين عام وأكثر، وكان دورة يقوم على شراء أكثر ما يمكن من أراضي العرب وإقامة مستوطنات يهودية عليها.


حادثة مستوطنة "مسجاف عام"
يتحدث نحماني في مذكراته عن تأسيس مستوطنة مسجاف، ففي شهر نوفمبر 1945 يقول في مذكراته: "قصة الاستيطان في العدسية "مسجاف عام" كانت رائعة فقد خرجنا ذات يوم من المطلة 12 من الفرسان، ووجدنا عشرات الشبان والشابات الذين عملوا على إقامة الجدار حول أراضي المستوطنة، وبعد قليل جاء العرب من أبناء قرية هونين وعلى رأسهم أبو راشد الذي كان شريكًا في الأراضي مع "الكيرن كييمت"، وطلب إيقاف العمل فورًا، قال أن هذه الأراضي لهم، لقد كان جديًا في نيته، في النهاية وصلنا لحل حول الموضوع".
حسب الفيلم فقد استطاع نحماني بسبب الاحترام الذي كسبه أن يقنع العرب بالتوصل إلى اتفاق، وهكذا اشترى الأراضي بمبالغ باهظة من أموال "الكيرن كييمت".

التناقض المزعوم
تصرّ مخرجة الفيلم "داليا كاربل" على إبراز التناقض الحاد في شخصية نحماني وتصفه بالرجل الأمني الذي رأى في تهجير العرب الحل الوحيد، ولكنه من ناحية ثانية كان مع التعايش والجيرة الحسنة مع العرب. وحين سألتُ مخرجة الفيلم عن إصرارها على إبراز هذا التناقض والذي قد يكون وهمًا لا أكثر، ردت بجملة صريحة: "استغل نحماني تقربه من العرب لمصلحة العمل الصهيوني، وكان يرى بالعرب أداة لأجل شراء الأراضي لا أكثر، ولكنه لم يكن مع أعمال العنف التي تقوم بها الهاجانا حرصًا على سمعة الدولة الجديدة". وعن الفيلم تقول المخرجة: "قمت بعمل الفيلم من أجل تسليط الضوء على بداية الصراع، كتب نحماني في يومياته كل يوم، بحثت عن الشهود كثيرًا ولكني لم أجد أي جندي بريطاني، وقد حاولت البحث عن مواد أرشيفية ولكن لم أجد الكفاية". وتضيف: "خلال الفيلم تظهر خمسة صور نادرة لمدينة طبريا، هي الوحيدة المتبقية، لقد كانت مدينة جميلة البيوت على شاطئ البحيرة مباشرة، كمدينة البندقية الإيطالية".

يوم التهجير لطبريا الجميلة
كان يعيش في مدينة طبريا خلال قبل النكبة 5000 آلاف عربي مقابل 6000 يهودي، وكانت طبريا مقسمة إلى حارات يهودية، حارات عربية وحارات مختلطة، ارتبط اليهود في طبريا ارتباطًا وثيقًا بالعرب من الناحية الاقتصادية، وكانت حياتهم مهددة بالخطر في حال ترك العرب المدينة، وحسبما يقول نحماني في مذكراته فإن العرب واليهود عاشوا بسلام وتعايش في المدينة الجميلة، ولكن، بعد قرار التقسيم بدأت المناوشات. وفي مارس من العام 1948 بدأت عصابات الهاجانا بذبح العرب في مذابح جماعية في قرى الجليل الشرقي والأعلى. وفي يوم 18.4.1948 أخرج كل سكان مدينة طبريا منها خلال ساعات، وقبِلَ العرب الخروج نتيجة الخوف بعد أن شاهدوا القتل والتدمير الذي حل بهم. كان خروجًا مؤقتًا، وساهم الجيش الإنكليزي بأن أحضر عدد كبير من الحافلات. وقام اليهود بنهب البيوت وسلب محتوياتها.

الوجه الحقيقي للحقيقة
رغم عدم موافقة نحماني على تهجير السكان العرب من طبريا فقد كشف الفيلم عن وجهه الآخر حين طلب في اجتماع مجلس بلدية طبريا الذي كان عضوًا فيه أن تقوم القوات اليهودية بتدمير البيوت العربية، حتى لا يعود السكان العرب إلى طبريا، وبعد الموافقة على طلبه أوكل نحماني هذه المهمة إلى أبنه الذي كان خبير تفجيرات.
وهكذا بمبادرات نحماني الذكية سيطرت "الكيرن كييمت" على معظم أراضي الجليل الشرقي، وطَرد العرب الفلسطينيين من طبريا. تم تدمير بيوتهم كي لا يعودوا إليها، فكانت طبريا بذلك المدينة العربية المختلطة الأولى التي تم تهجيرها.
هذه هي الحكاية من زاوية يوسف نحماني، فهل هذه حقًا هي الحكاية كلها؟


يوسف نحماني الثاني من اليسار