25 يناير 2009

عرائس الحدود والورق
..................................................



يقدم فيلم "طائرة من ورق" وهو من إنتاج لبناني فرنسي إيطالي عام 2003 قصة مثيرة عن علاقة حب في المنطقة الحدودية تجمع بين فتاة درزية لبنانية وجندي إسرائيلي من أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل، وتدور فكرة الفيلم حول وجود أبناء الطائفة في قريتين يفصلهم حقل من الألغام، القرية الأولى تابعة للبنان، والثانية لدولة الاحتلال، ومشاهد الأسلاك الحديدية الشائكة وحقول الألغام تدفع الناس في القريتين إلى التجمع يوميًا على جانبي جدار الأسلاك الفاصل بين البلدتين ليخاطبوا بعضهم عن طريق مكبرات الصوت من الواضح أن أحداث الفيلم مأخوذة عن الواقع الجولاني، وألصقت على الواقع اللبناني، ويبدو أن الهدف هو إثارة المشاهد الأوروبي والحصول على جوائز المهرجانات! من هذا يبدو أن رغبات الممول الأوروبي واضحة من خلال عدم التطرق إلى الشريط الحدودي على أنه نتيجة واقع محتل.

قصة الفيلم
يحكي الفيلم قصة لمياء الفتاة اللبنانية التي يرغمها أهلها أن تتزوج من ابن عمها في الجانب المحتل، فتعبر الحدود لأجل الوصول إلى النقطة العسكرية الإسرائيلية. لكنّ لمياء بنت السادسة عشرة التي لا تزال تتابع دروسها ولا تعرف عن الزواج الشيء الكثير غير ما تخبرها به صديقتها في المدرسة، تقع في حب الجندي على برج المراقبة، وتبدأ قصة الحب حين تخاطر لمياء المغرمة باللعب مع شقيقها الصغير بالطيارات الورقية في المشهد الأول من الفيلم بالدخول إلى حقل الألغام الفاصل بين الجانبين لأجل إنقاذ طائرتها الورقية التي رمتها الريح من فوق الأسلاك الشائكة، ويجري كلّ ذلك تحت أنظار المجند الإسرائيلي الذي يصرخ بالعربية لإبعادها وإنقاذها من الألغام بعد عبورها إلى المنطقة الخطرة.

الإنتاج يعفي الاحتلال من المسئولية
ربما أراد الفيلم التوجه إلى الجمهور الأوربي ولذلك فقد شدد على الناحية الإنسانية وحاول التخفيف من الجرعة الواقعية السياسية، وتجنب توجيه اللوم إلى إسرائيل كونها دولة محتلة. الجمهور الأوروبي لا يعرف الشيء الكثير عن طائفة الموحدين الدروز التي تناولتها المخرجة في فيلمها، وربما اختلط عليه الأمر بين ما قد يكون قد شاهده على الشاشات الصغيرة في التقارير الاخبارية من حوارات بمكبرات الصوت في منطقة الجولان السوري المحتل وبين الأهالي في المنطقة التي يتناولها الفيلم.

دور زياد رحباني؟
ما جعل هذا الفيلم يحظى دون غيره بمثل هذا الاهتمام العربي ويعرض مرارًا وتكرارًا هو قيام الموسيقي اللبناني زياد رحباني بلعب دور جندي درزي إسرائيلي يقيم علاقة مع مجندة روسية، ويشارك زياد رحباني بدور بسيط، لا يؤثر على تركيبة القصة، فيما لو حذف منها. ويبدو أن المخرجة قد استثمرت وجوده لأجل الترويج لفيلمها محليًا وعربيًا، بدليل أن الإعلان عن عرضه في مكان ما سيأتي بمعجبين زياد إلى المكان، لكن شخصية زياد الساخرة من تفاصيل الحياة بقيت هي ذاتها في الفيلم، لكنها لم تقدم أي شيء جديد.

فلافيا بشارة

مسح الجوخ ...
يبدو أن النقاد والصحفيين العرب واللبنانيين لا زالوا عالقين في ورطة المجاملة، فإن الورطة الكبرى في الحديث عن فيلم كفيلم طيارة من ورق وما يحمل من إشارات سلبية على سينما تنحرف نحو متطلبات المهرجانات الأوروبية، هي مسح الجوخ للمخرجة رندة الشهال ولزياد رحباني. ويبدو أن الاعتبارات الشخصية تلعب دورًا أكثر أهمية من المحاكمة السينمائية المهنية. فيقول الناقد اللبناني غسان عبد الخالق في مديحه لزياد رحباني:"هذا الجندي الفيلسوف الذي يقوم بدوره زياد رحباني، يعود إليه الفضل في إضفاء إيقاع رائع من الموسيقى التصويرية للفيلم، مثلما يعود إليه الفضل في إعطاء الحوارات الخاصة به بعدًا عميقًا للأحداث التي تجرى أمام عينيه ويعلق عليها بسخريته المرة
والسوداء".

محاكمة أم أوسمة؟
هل الفيلم رسالة سلام إلى إسرائيل على حساب معاناة العرب السوريون في الجولان، "اللبنانيون في الفيلم"، فتعاملت المخرجة معهم كما تتعامل إسرائيل على أنهم دروز أولا وأخيرًا، فهكذا يصبح الاحتلال أمرًا هامشيًا وتصبح صورة النساء والرجال الدروز الكاركتورية أكثر بروزًا من معاناة السكان من الاحتلال؟
وعلى ضوء هذا الفيلم هل نحاكم هذه السينما التي تتعامل مع الواقع السياسي على هذا النحو؟ أم أن الفن والسينما في هذه الحالة لغة تخص نفسها وتقدم عالمها على طريقتها؟ في الحالتين فإن النقاش مفتوح لأجل إثراء المعرفة، ولكن ضياع الطاسة في الحالة الثقافية والسياسية في لبنان والدول العربية يجعل رئيس الجمهورية اللبنانية يقوم بمنح المخرجة رندة الشهال وسامًا بسبب حصولها على جائزة الأسد الفضي عن الفيلم في مهرجان البندقية، وكأن الجائزة أهم من القيم والاعتبارات الإنسانية للسكان الواقعين تحت الاحتلال!