24 يناير 2009


مستوطنة أندروميدا

..................................................
المكان مغلق على مدار اليوم. لا يمكن الدخول إليه إلا عن طريق المدخل الرئيسي، حارس على المدخل بشكل دائم. المياه في بركة السباحة تُستبدل كل ساعتين. أسعار الشقق تبدأ من نصف مليون دولار لبيت مكوّن من غرفتين وتصل إلى عدة ملايين. جهاز الأمن ينشر كاميرات التصوير في كل زاوية، إضافة إلى طابق مخصص كملجأ ضد الغازات السامة والأسلحة البيولوجية.. إنها أندروميدا المحرمة على الغرباء.

بدأ البناء عام 1995 حين قام رجل الأعمال اموري جولدمان صاحب شركة جولدفين هوليدينجس بتوقيع صفقة مع البطركية الأورثوذكسية اليونانية عام 1989. من بنود الصفقة أن تبني شركة جولدمان مشرع بناء فاخر على 16.7 دونمًا من أراضي التلة، بالمقابل تحصل الكنيسة على 34% من مدخولات المشروع.

المخططون لبناء أندروميدا أرادوه قريبًا من مناخ يافا الرومانسي الشرقي، الذي قد يجلب الأغنياء من كل أنحاء العالم، إلا أنهم بدل ذلك جعلوه بعيدًا عن البناء المحيط في يافا العربية، والنتيجة بناء عصري يشبه أكثر ما يشبه المستوطنات في الضفة الغربية.

يعيش سكان أندروميدا في مدينة داخل مدينة، فهم ليسوا بحاجة إلى أن يخرجوا إلى يافا، سياراتهم تدخل إلى الموقف في داخل البناء ومنه مباشرة عبر مصاعد كهربائية على بيوتهم. كل احتياجاتهم متوفرة: سوبر ماركت مقاهي، مسابح، مغاسل ثياب، غرف عرض أفلام، غرفة تدريب لياقة بدنية. مدينة في داخل المدينة، سكان أندروميدا معزولون عن العالم الخارجي فزجاج النوافذ مكوّن من طبقتين كي يحمي المكان من الضجة.

عن أندروميدا
جاء اسم أندروميدا من الأساطير اليونانية ويرتبط بخطأ التسرع، فقد كانت أندروميدا أميرة جميلة فاخرت أمها بأن ابنتها أجمل من ابنة بوسويدون إله البحر وأجمل من كل عرائس البحار. انتقامًا من هذا القول أرسل بوسيدون الوحش كي يقتل كل نساء المملكة، فقام والد أندروميدا كاباوس كسيوبا بربطها على صخرة على شاطيء يافا كي يقدمها ضحية للوحش وحتى يلغي بوسيدون الأمر بقتل كل النساء. ولكن برساوس إبن زيوس زعيم الألهة حوّل الوحش إلى حجر وحرّر اندروميدا كي يتزوجها.
تقع أندروميدا أو "التلة اليونانية" وهو الاسم الموجود في مخططات البلدية فوق ميناء يافا مباشرة بارتفاع 26 متر فقط، وهي محاطة بكنيسة سانت جورج من الجهة الشمالية وبكنيس يهودي من الجهة الجنوبية بني في القرن التاسع عشر.

الكنيسة تبيع الأرض لمستثمر يهودي
أثار المشروع سخط أهل يافا العرب أكثر من غيرهم، ففي الوقت الذي يعاني فيه سكان يافا العرب من ضائقة السكن فإن البطركية اليونانية الأورثوذكسية عقدت صفقة لبيع الأرض التابعة لها مقابل حصولها على نسبة من أرباح المشروع. سكان يافا العرب يرون أنهم أحق بالأرض فلماذا لا تحل الكنيسة ضائقتهم السكنية أيضًا، وعلى أثر ذلك رفع سكان يافا العرب من أبناء الطائفة مائتي دعوى ضد المشروع.
البطريارك السابق ثيودوروس والذي وقع على الاتفاقية في العام 1989 فضّل المنفعة الاقتصادية على مصلحة أبناء الطائفة اليونانية الأورثوذكسية والذين تبلغ نسبتهم 70% من المسيحيين في يافا.
الجمعية الخيرية الأرثوذكسية في يافا اتهمت البطريارك أنه لم يبلغها أساسًا بالأمر، ولم يعرفوا عن المشروع إلا عن طريق الصدفة. كل المحاولات لمنع المشروع ذهبت أدراج الرياح ولم تلقَ أذانًا صاغية لدى البلدية، مما أكد أن المشروع ينطوي تحت مشروع أكبر بكثير يرمي إلى تهويد يافا. عارض المجتمع العربي والأرثوذكسي في يافا البيع من منطلق أن الاتفاقية تنص على أن يملك المشروع الأرض لمدة 99 عامًا، وتنص الاتفاقية أن البطركية تحصل على 30% من المباني، لكن البطركية باعت حصتها للمشروع وخدعت الأهالي.

أهالي يافا ساخطون
في نهاية الأمر لم يعد المتدينون يهتمون بأمر أندروميدا، ولكنه لا زال يثير سخط سكان المدينة العرب، وذلك بسبب وجوده في قلب مدينة يافا العربية. بناء كبير محاط بالجدران، يمثل الغنى اليهودي الفاحش مقابل الفقر الذي يعيبش فيه السكان، وكأنه محاولة صارخة لتهويد يافا. عدا عن الفارق الاجتماعي فإن الفارق القومي له تأثيره البالغ بكل تأكيد، فهو قلعة محصنة يسكنها اليهود من أصحاب الثروات ويبقى للعرب دور عمال النظافة لا غير.
حسب المخطط الأولي كان من المقرر أن يبقى المكان مفتوحًا للجمهور وأن يكون هناك معبر إلى داخل المبنى يوصل إلى نقطة يُشاهد منها ميناء يافا، كما وطلبت البلدية أن يبنى صاحب المشروع حديقة في مدخل البناء قرب شارع يافت، وأن تبنى مؤسسة جماهيرية وحديقة وموقف سيارات، ولكن شيء من هذا لم يحدث وبقيت المعابر مقفلة لأسباب أمنية.

ما هي مصلحة المتدينون اليهود؟
مع بداية البناء في تلة أندروميدا كان يبدو أن المشكلة التي تمنع البناء هي اكتشاف بقايا أثرية، قبور وعظام يهودية، على أثر ذلك حاول المتدينون اليهود أن يمنعوا الاستمرار في البناء، فقاموا بمظاهرات مقابل المكان، حافلات مليئة بالمتدينين وصلت من بني براك ومن القدس في محاولة لمنع الاستمرار بالبناء، حتى أن تدخلت وزارة الأديان في الموضوع.
كتبت صحيفة هآرتس حول معارضة المتدينون اليهود تقول: "المتدينون اليهود قاموا بما قاموا به بسبب اعتقادهم أن في المكان عظام يهودية يجب الحفاظ عليها، هذا الإدعاء غير حقيقي في كثير من المرّات، وهو يهدف إلى عرقلة عمل سلطة الأثار وتسجيل مكان جديد لصالح المتدينون اليهود يسيطرون عليه، لا يهم عظام من تكون في المكان، فهي بحسب رأيهم مكان مقدس لليهود. والدليل على ضعف اعتقادهم هو تخليهم عن مقاومة المشروع بعد وقت قصير وبعد أن أصبح المشروع أمر واقع."
بعد المعارضة التي واجهها المشروع من قبل سكان يافا العرب والمتدينون اليهود قامت الشركة المنفذة للمشروع بالتوجه إلى المحكمة والتي حكمت بالاستمرار بالعمل في المشروع.


هذه مستوطنة!
تمثل أندروميدا بنظر الكثيرين من أهل يافا مستوطنة بنيت بين بيوتهم، وهناك من يرى بها احتلالا جديدًا. أحد سكان يافا يقول: "هذا المكان هو مستوطنة جديدة في قلب يافا، عام 1948 طردوا الناس منن بيوتهم في والآن يحرمون من تبقى من السكن على أرضهم. ليس في أندروميدا أي شيء يدل على يافا أو له علاقة بيافا، بنايات عالية وشاهقة ومخيفة، هدفها أن ينعم الأغنياء اليهود بالمكان دون الآخذ بعين الاعتبار الناس الذين ليس لديهم بيوت. في المكان حارس وحاجز، مثل أي مستوطنة".