21 يناير 2009






ماذا نعرف عن الغجر العرب؟
..................................................

حدثتني جدتي عن امرأة غجرية رأتها في صباها في الثلاثينات من القرن المنصرم وهي تمشي على حبل ربط بين بيتين فوق ساحة القرية، فكانت تمشي على الحبل وهو على ارتفاع عشرات الأمتار فأدهشت الجميع، وحصلت لقاء الدهشة على المال. وتقول جدتي أن الغجر كانوا يأتون إلى منطقة البيادر في القرية، يفرشون مقتنياتهم، وخلال ساعات تكون الخيام قد ارتفعت في الهواء، ثم يبدؤون بالرقص ودقّ الموسيقى إعلانًا عن قدومهم.

داخل المكان، خارج التاريخ
نظر العرب للغجر عمومًا على أنهم جنس بشري منحط، ولاقى الغجر على الدوام معاملة سيئة من العرب يعود أحد أسبابها إلى أن الغجر كل ما باستطاعتهم لكسب المال، بالمقابل اعتبر العرب أنفسهم أعلى قيمة من الغجر، ولهذا لم يرغبوا بالاختلاط بهم أو الزواج منهم. ولم يشعر الغجر على طول تاريخهم بالانتماء إلى الشعب العربي نتيجة المعاملة الاستعلائية ونتيجة عادة التنقل التي ميزت أسلوب حياتهم.

شبان غجر في القدس 1965


في الوقت الذي نال تاريخ الغجر في أوروبا والقارة الأمريكية اهتمام الباحثين والدارسين، فإن المؤرخون العرب تجاهلوا الغجر ولم يدونوا تاريخهم، فلا يجد الباحث عن تاريخ الغجر إلا القليل والنادر مما كتب عنهم بالإشارة إليهم وليس تخصيصًا.
يبدو أن الغجر الذين عاشوا على هامش المجتمع العربي لم يساهموا في صنع التاريخ العربي، ومن الواضح أن وجودهم لم يكن من منطلق المشاركة كباقي الفئات والقوميات التي عاشت في الأرض العربية وإنما باعتبارهم قوم عابرون في المكان والتاريخ. ليس هناك من يشكك في أن تاريخ الغجر هو جزء هام من تاريخ العرب، إلا أن الحقيقة المؤلمة أننا لا نعرف ما يكفي عن الغجر وتاريخهم حتى نعرف أهمية وتأثير وجودهم في الشرق العربي، ويبقى التاريخ الشفوي وقصص الناس عن الغجر هي المصدر الأول.وتبقى قصة الغجر وتاريخهم مثار بحث مستمر، فمثلما لم يهتم المؤرخون العرب بتدوين تاريخهم فلم يهتموا هم أنفسهم بتدوين لغتهم وتاريخهم. فمن سيكتب تاريخهم؟ ومتى سيتم الكشف عن الوجه الآخر للغجر، الوجه الذي لم نعرفه بعد؟

أصل الغجر
يقول المؤرخ حمزة الأصفهاني في أصل الغجر أنه يعود إلى الهند وتحديدا ولاية "بيهار" التي أرسل ملكها في القرن الخامس ‏ الميلادي إلى صهره ملك الفرس "بهرام بور" عشرة آلاف مطرب وعازف مع نسائهم ‏‏وأبنائهم بناء على طلب الأخير الذي أراد إسعاد شعبه بإقامة حفلات الرقص والغناء. ويروي الأصفهاني أن القوم التزموا للملك بإقامة الأفراح والليالي الملاح ‏ ‏وإضفاء البهجة على احتفالات الشعب والأعياد والمناسبات الوطنية، وبالمقابل أعطاهم ‏الملك بعض الأراضي، ومنح لكل منهم حمارًا أو ثورًا، ومئونة عام، وبذورًا كافية لزراعة ‏‏الأراضي‏.
وتقول الرواية إن الغجر انشغلوا بعزف الموسيقى والغناء والرقص، استهلكوا مئونتهم‏ ‏ التي قدمها الملك ومعها المواشي والبذور خلال وقت قصير، ثم جاءوا إليه في العام التالي يطلبون ‏‏المزيد، فغضب منهم وطردهم من بلاده. ارتحل الغجر عن بلاد فارس ساعين لكسب الرزق، فانقسموا إلى ثلاثة أقسام، توجه أحدها صوب الجنوب الغربي نحو بلاد الشام ومنها إلى ‏‏مصر وشمال أفريقيا، فيما اتجه القسم الثاني شمالا إلى المناطق التي تشكل الآن ‏‏أرمينيا وجورجيا، وواصل بعضهم إلى اليونان.
أما القسم الثالث من الغجر فقد ارتحل إلى تركيا ومنها إلى وسط وغرب‏ ‏أوروبا وصولا إلى البرتغال وأسبانيا، التي يعيش فيها الغجر منذ نهايات العهد‏ ‏العربي في الأندلس ليشكلوا فيما بعد ابرز ملامح اسبانيا، فهم من أحضر رقصة ‏‏الفلامنكو إلى الغناء الإسباني، وهم من بدأ بمصارعة الثيران.
للغجر في الأردن وجهة نظر أخرى فهم يعتقدون أن أصولهم تعود إلى بني مره، وأنهم عرب أقحاح وينكرون أصلهم الهندي، ويستندون في هذه الرواية إلى "حرب ‏‏البسوس" وإلى "سيرة الزير سالم" الذي انتقم من بني مرة وأمر بتشتيتهم في الأرض ‏وحكم عليهم أن لا يركبوا الخيل وأن لا يذوقوا طعم الراحة والأمن والاستقرار، فهربوا ‏‏ناجين بأرواحهم، وهاموا في صحاري الجزيرة العربية.

لغات وتسميات
للغجر اسم آخر عرفهم به العرب وهو "النَوَر" ويعرف العرب لغتهم على أنها اللغة العصفورية. ويُطلق عليهم أيضًا اسم "الزُطّ"، لكن الاسم الأصلي للغجر هو "الدوم" ولغتهم هي الدوماري، وهي لغة شفهية غير مكتوبة، يتكلم بها كبار السن من الغجر، وهي لغة تكاد تندثر.
بقي من الغجر عدد قليل، العدد الأكبر منهم في الأردن، سوريا والعراق. وللغجر في العراق حكاية، وهي حكاية حديثة تحكي عن غزو الراقصات الغجريات للمسرح العراقي في التسعينات، فخلال سنوات قليلة اقتحمت الغجريات خشبة المسرح العراقي التجاري، واقتحمن خشبة المؤسسة الأعرق وهي الفرقة القومية للتمثيل، وإذ بمسارح القطاع الخاص والعام على حد سواء تعج بالغجريات بوصفهن ممثلات، مما أثار نقاد المسرح والصحافة العراقية.

الغجر في فلسطين
يُقال أن الغجر كانوا يمرون في أرض الجولان ومنها إلى فلسطين، وقد كانوا يجوبون المدن الفلسطينية حتى استقر عدد كبير منهم في نابلس، القدس وغزة. وبعد نكبة عام 1948 تهجّر الغجر كباقي أبناء الشعب الفلسطيني، واستقر معظمهم في الأردن وتحديدًا في ضواحي عمان، والقسم الآخر اتجه نحو مخيم جباليا في غزة. ولا يزال عدد من الغجر يعيشون حتى الآن في ضواحي القدس وفي مدينة نابلس، ويمكن تمييزهم من خلال ملامحهم الخاصة التي لا تشبه العرب.