25 يناير 2009


الخلل في الإسلام وليس في إسرائيل!
..................................................

".... قررتُ أن أرى بنفسي ما إذا كانت إسرائيل تستحق غضب المسلمين؟ غضبًا يشلّ الحركة. أني أتحدث عن الغضب الذي نستغله لتبرئة أنفسنا من المسؤولية عن وضعنا ... وإذا كنا نريد قلب ما في ذهن المسلم من لا تسامح فعلينا أن نفتح أبصارنا ونتساءل: هل أن إسرائيل حقا ذلك الوحش كما نصوُّرها؟ "
بهذا القول تعبّر "إرشاد منجي" مؤلفة كتاب "الخلل في الإسلام" عن مكنونات نفسها وعن ولعها الشديد بإسرائيل. وقد لا يبدو غريبًا أن تحتفي الأوساط الإعلامية في إسرائيل بزيارة مؤلفة الكتاب على هامش المعرض الدولي للكتاب، وقد صدر الكتاب باللغة العبرية.

من هي إرشاد منجي؟
هي كاتبة كندية من أصل باكستاني، نزح والداها إلى أوغندا قصدًا للعمل في التجارة، وخلال مكوث العائلة في أوغندا ولدت إرشاد عام 1968، وبعد سنتين من ولادتها هاجرت العائلة إلى كندا عام 1971.
تُرى ما هو سبب هذا الاحتفاء الإسرائيلي بكتاب "الخلل في الإسلام" وبكاتبته إلى هذا الحد؟ ويبطل العجب عندما يعرف السبب! حين نقرأ ما تقوله صحيفة "واي نيت" الإلكترونية الإسرائيلية:" في كتاب الخلل في الإسلام تكشف إرشاد منجي المشاكل الأساسية في الإسلام وتكشف قوانينه ومعتقداته: الانغلاق القبلي، الكراهية العميقة لليهود، والتعصب الأعمى للقرآن باعتباره القول المحق والأعلى لله، إنه كتاب يدعو إلى مستقبل خال من العنف الإسلامي".

لماذا هذا الكتاب؟
رغم أن عنوان الكتاب هو " الخلل في الإسلام" فإن الكاتبة وعلى نحو مفاجئ تجنح ابتداءً من الفصل الثالث للحديث عن إسرائيل وعن اليهود، فتحاول بكافة الطرق عبر الشهادات، الاقتباسات والعودة إلى التاريخ القريب إلى تصوير إسرائيل بالضحية، وكيل الاتهامات للفلسطينيين عبر لغة مليئة بالنظرة الأحادية الجانب، مع التشديد على كونها مسلمة ذات رأي مختلف عن باقي المسلمين، وتقوم بهذا الفعل المفضوح عبر طريقة منهجية تعتمد على إخراج النص المقتبس عن سياقه واللجوء إلى تحويره بطريقة ذكية.
وأعجز شخصيًا عن فهم كيف يصبح "الخلل في الإسلام" تبرئة لإسرائيل من كل أفعالها تجاه الفلسطينيين؟ فتبدأ الكاتبة بسوق الأمثلة والأحداث على طريقتها، فتبدأ بمحاولة تبرئة إسرائيل من مسؤولية تهجير الفلسطينيين من أراضيهم عام 1948 معتمدة بذلك على شهادة يتيمة أخرجت عن سياقها العام لتبدو اعترافًا قاطعًا بالمسؤولية العربية عن النكبة، حيث تقتبس عن خالد العظم في معرض حديثه عن أزمة اللاجئين الفلسطينيين ما يلي: "هؤلاء اللاجئون نزحوا ليس بأمر من الإسرائيليين وإنما من العرب". وتعلق الكاتبة على هذه الجملة: "هذا ما قاله خالد العظم، رئيس الوزراء السوري خلال تلك الحرب. ففي مذكراته التي نُشرت عام 1973 كتب العظم حول دعوة الحكومات العربية لسكان فلسطين الجلاء عنها والرحيل إلى البلدان العربية المجاورة بعد زرع الخوف في نفوسهم". وتواصل الاقتباس عن العظم: "ومنذ عام 1948 نطالب بعودة اللاجئين إلى ديارهم لكننا نحن الذين شجعناهم على النزوح". وهنا تخلص إلى النتيجة التالية: "أين هذا من تحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن أزمة اللاجئين الفلسطينيين؟". ويفوت الكاتبة عن قصد أن العظم أراد بقوله التعبير عن الشعور بالذنب تجاه قضية اللاجئين والاعتراف بالأخطاء التي ارتكبت.
ثم تضيف قائلة: "الأُمم المتحدة أيضا أسهمت في الأزمة، فهي اليوم تعتبر 3.5 مليون فلسطيني لاجئين رغم أنها تستخدم تعريفا لا يُطبَّق على أي شعب نازح آخر. فإن التعريف لا يسري على اللاجئين الأصليين الذين كان عددهم نحو 700 ألف لاجئ فحسب بل يشمل أطفالهم وأحفادهم أيضا". !


التاريخ يشهد بالكذب
على نحو مثير ولأجل إجراء مقارنة تقوم "إرشاد منجي" بتشويه الحقائق التاريخية فتقول في الفصل الخامس من الكتاب تحت عنوان " مَنْ يخون مَنْ؟": "مئات ألوف اليهود وجدوا أنفسهم مطرودين من البلاد العربية بحلول خمسينات القرن الماضي ولكنهم لم يرزحوا في بالوعات اللاجئين بل استوعبتهم إسرائيل، ودمجت غالبيتهم العظمى في محيطها. وعلى هذا الصعيد منحت إسرائيل الجنسية لنحو 100 ألف فلسطيني في إطار مجهود للم شمل العائلات. فماذا فعلت الحكومات العربية عموما للفلسطينيين؟ لقد خذلتهم أو فعلت ما هو أسوأ".
ثم تعود لدق الإسفين بين الفلسطينيين وباقي العرب وقد نزعت عن إسرائيل تحمل مسؤولية قضية اللاجئين نهائيًا: "في البلدان المجاورة مثل لبنان وسوريا والعراق تتصرف الحكومات وكأن توطين الفلسطينيين ليس من شأنه إلا الإخلال بالتعايش الهش بين المسلمين الشيعة والسنة. ولبنان حتى أقل اكتراثًا، فإن قوانينه في الحقيقة تمنع غالبية اللاجئين الفلسطينيين من العمل ساعات كاملة أو شراء أرض أو رفع مستوياتهم ليكونوا مهنيين. ويدبر الفلسطينيون أمورهم بمزاولة أعمال طارئة أو مؤقتة".
ولا تكتفي المسلمة الغيورة عند هذا الحد فتضيف في تشويه للحقائق يبعث على الدهشة مخاطبة قرائها: "هاكم مقياسا آخر لنفاق العرب...فعلى امتداد سنوات كانت الكويت تتبرع لوكالة الأمم المتحدة المسئولة عن رعاية اللاجئين الفلسطينيين أقل مما تتبرع به إسرائيل. والعربية السعودية أيضا كانت تنفق عليهم أقل مما تنفق إسرائيل حتى أخذت عائدات النفط بالتدفق. واليوم؟ رغم خزائنها العامرة بالمال والمساحات الشاسعة من الأراضي الفائضة يرفض السعوديون منح الجنسية إلى أي من الفلسطينيين. ولكنهم يبثون برامج تلفزيونية ماراثونية لجمع التبرعات بالملايين من أجل تمويل عمليات التفجير التي ينفذها انتحاريون. كما أنهم يكافئون عائلة مَنْ ينجح في تنفيذ عملية تفجير برحلة إلى مكة، يتحملون تكاليفها كاملة".
وفي عودة إلى التاريخ المعاصر مرة أخرى، تقوم وبلسان المسلمة في دور من يمثل المسلمين والعرب بما يمكن فهمه على أنه اعتراف: "أقول أننا تخلفنا عن التكفير عن آثامنا نحن المسلمين في عام 1915. فقد شهد ذلك العام ذروة جريمة الإبادة التي ارتكبها العثمانيون المسلمون ضد المسيحيين الأرمن. وقام سفراء الله في الأرض بتغييب أكثر من مليون مسيحي عن طريق التهجير والتجويع وحمامات الدم. لماذا لا أسمع كثيرين منا يدعون الأتراك إلى تعويض الضحايا؟ ينبغي أن نغضب، لا سيّما وأن الأرمن لا يريدون استعادة أي شيء من ممتلكاتهم بل مجرد الاعتذار منهم. هل المسلمون منهمكون في التشبث بسمو قضية المغدورين منهم بحيث لا نرى كيف أننا نغدر بالآخرين؟"
وقد لا تكفي هذه المغازلة الواضحة للغرب المسيحي تحديدًا فتلجأ إلى اتهام الفلسطينيين بالضلوع في الأفعال النازية بحق اليهود!! فتقول: "لنكن صريحين حول ما حدث خلال سنوات النازية: لقد تواطؤ المسلمين مع الهولوكوست –أي إبادة اليهود- فإن الحاج أمين الحسيني ضغط على بريطانيا لإبعاد سفن محملة باللاجئين اليهود كانت متجهة إلى فلسطين. وقد غرق البعض منهم في مياه البحر المتوسط وأُعيد البعض الآخر إلى غرف الغاز والمحارق في أوروبا".

عنصرية العرب!
في الفصل السادس من الكتاب توجه تهمة العنصرية لسوريا وتنفيها عن إسرائيل قائلة: "إن شخصية لا تقل عن وزير الدفاع السوري نفسه تنشر كتبا وأنتج فيلما لتصوير اليهود على أنهم مصاصو دماء، وبالمناسبة أنهم مصاصو دماء ليس بالمعنى المجازي بل مصاصو دماء بالمعنى الحرفي. ولكن سوريا بدلا من أن يتعيَّن عليها أن توضح موقفها في المؤتمر العالمي للأمم المتحدة ضد العنصرية، انضمت إلى عضوية لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة من 2001 إلى 2003. وهذا بالإضافة إلى انتخابها عضوا دوريا في مجلس الأمن الدولي ذي السمعة العالية".... وتضيف: "هل أنتم مستعدون لرصاصة الرحمة الآن؟ كانت إسرائيل البلد الوحيد في العالم الذي تعرض إلى انتقادات في وثائق قُدمت إلى المؤتمر الرسمي للأمم المتحدة ضد العنصرية. فلماذا هذا الانفصام الأخلاقي الصارخ؟".
وهذا نقل حرفي من الكتاب دون تعليق، تقول: "والآن إلى الدليل النهائي على التهمة الواهية بأن إسرائيل بؤرة للكراهية الهتلرية....إنها البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي يهاجر إليه مسيحيون عرب بإرادتهم. وهم يزدهرون أيضا مسجلين نسبة حضور أعلى بكثير في الجامعات من مواطني إسرائيل المسلمين العرب ويتمتعون عموما بصحة أحسن من اليهود أنفسهم".
وتختتم إرشاد منجي كتابها عند الفصل التاسع بالعبارات التالية: "أقدّر ما فعله الغرب لي، بل للكثير من المسلمين. فأنا مدينة للغرب برغبتي في المساعدة على إصلاح الإسلام. وبكل صدق، يا شقيقاتي وأشقائي في الإسلام، فأنتم أيضا مدينون له".

خطر التجاهل
قد يبدو للبعض أن إرشاد منجي ما هي سوى كاتبة مدعية تنضم إلى صفوف الأبواق الصهيونية، وقد لا يروق للبعض هذا الاهتمام الذي أوليه للكتاب كونه يحمل الكثير من الأكاذيب والتشويه، ولكن حين نعرف أن هذا الكتاب قد ترجم وبيع خلال أقل من سنة في كل من الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، إيرلندا، أستراليا، نيوزيلاندا، الدنمارك، البرازيل، إيطاليا، أسبانيا، فنلندا، ألمانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، النرويج، بلغاريا، بولندا، إسرائيل وحتى الباكستان، فهذا يعني أن الكتاب يلقى تسويقًا ورواجًا، وهو يباع بكميات كبيرة، وهناك تلهف ملحوظ على شراءه كون الكاتبة مسلمة تتحدث عن الخلل في الإسلام! وهنا تكمن خطورة الأمر لما يحمله الكتاب من تعدي وإلصاق تسمية الإرهاب بالمسلمين والعرب، والأهم من هذا تمرير أكثر من فصلين لتحسين صورة إسرائيل في العالم واتهام العرب والفلسطينيين بالمسؤولية الكاملة عمّا يجري. وقد فكرت الكاتبة بناءً على قولها في كتابة هذا الكتاب بعد أحداث 11 سبتمبر وتدمير مركز التجارة العالمي أو برجي التوأمين في نيويورك، وقد أرادت حسب قولها شرح الخلل الذي يجعل الإسلام والعرب يقومون بمثل هذه العمليات؟ وأن في الإسلام خلل لا بد من إصلاحة. ويأتي تشديد الكاتبة على أنها مسلمة مؤمنة ليزيد من مصداقية ما تقول لدى القارئ الغربي الذي لا يمكن الاعتماد على ذكاءه وخبرته في أن يكون صاحب قدرة تحليلية، ومناعة ثقافية، فلا يصدق ما تكتبه إرشاد منجي.



موقع كتاب "الخلل في الإسلام" على الانترنيت والذي يحوي ترجمة عربية للكتاب:
http://www.irshadmanji.com/arabic-edition