24 يناير 2009



"أورينتال" أوالشرق الراقص


..................................................

يتابع الفيلم التسجيلي "أورينتال" أي الشرق وهو من إخراج المخرج الإسرائيلي آفي نيشر راقصة روسية إسرائيلية وعلاقتها بأربعة عازفين عرب في لقاء يجمعهم من أجل إنتاج عرض موسيقي راقص مشترك، ويقدم الفيلم وجبة إضافية لهذه العلاقة الخاصة بين ثقافتين مختلفتين عبر توظيف قسري لمقاطع أرشيفية ولقاءات شخصية لمفاوضات كامب ديفيد الفاشلة عام 2000 بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

حوار شرقي
يحاول آفي نيشر أن يصنع من فيلم "أورينتال" فيلمًا ذا طابع خاص، فيجمع بين قصة الراقصة الروسية "إلينا" مع العازف "صالح هيبي"، وبين قصة المفاوضات في "كامب ديفيد" عام 2000، وذلك عبر عرض القصتين بصورة متوازية في محاولة لإلقاء الضوء على الثقافة العربية مقارنة بالغربية، فتتقاطع المشاهد بين القصتين ويسير سيناريو الفيلم نحو توضيح الفارق بين ما يفهمه العرب من ضوابط الاحترام والتقاليد في كلتا الحالتين، وما يعتبره الغربيون حساسية زائدة عن الحاجة.
يشير الفيلم إلى طريقة وأسلوب الحوار في كلتا القصتين فيتشابه العرب في الحالتين أكانوا عازفين أم مفاوضين لأن السياسة والحساسية أكثر الأشياء التي يعيشها العرب الفلسطينيين بشكل يومي. فيحكي صالح هيبي قصة والدته التي أصيبت بالعمى من كثرة البكاء يوم التقت أباها المهجر بعد فراق دام عشرات السنين. ويشدد يوسف مخول على الكرامة وشجرة الزيتون ويستعيد ذكرى النكبة الفلسطينية.

"أورينتال" كامب ديفيد 2000.
يقدم الفيلم عبر قصة المفاوضات تحديدًا كيف يرقص الفلسطينيون والإسرائيليون كلٍ على إيقاع مختلف، فيتحدث من الجانب الفلسطيني كل من نبيل شعث، حنان عشرواي، صائب عريقات، جبريل الرجوب وياسر عبد ربه، ومن الجانب الإسرائيلي شمعون شمير،إيهود براك وأمنون شاحاك.... ويصف الجميع كيف أضاع الطرفان فرصة الاتفاق بسبب تباين المزاج بين عرفات وبراك.
ويأخذ الفيلم أبعاده النهائية في القصة الأساسية حين يتفجر الخلاف بين صالح هيبي والراقصة "إلينا" لأسباب مادية، ولأسباب أكثر أهمية تتعلق بالصراع على إدارة الأمور وتقرير الشكل النهائي للعرض الموسيقي الراقص. وهكذا، سرعان ما تتفجر المشاعر، فالجانب الفلسطيني لا يرضى أن يلقن المعطيات والتفاصيل، ويرفض أن يكون أداة بيد الراقصة أو المفاوض الإسرائيلي على ما هو ملك حقيقي له. فغيرة صالح هيبي ورفاقه العازفين على الرقص الشرقي وإيقاع البطن تماما كغيرة المفاوض على الأرض وحق العودة، ويصرّ الفلسطيني أن يكون شريكًا أساسيًا في كل ما يخص تراث الرقص وملكية التاريخ والأرض.

مقاهي التعايش
تشهد المقاهي العربية في الفترة الأخيرة لقاء مثيرًا أكثر واقعية من الفيلم التسجيلي لآفي نيشر، فقد أصبح ولع الإسرائيليات بالرقص الشرقي صرعة لا شفاء منها، فتكثر مدارس تعليم الرقص، في كل مكان، وتجد الطالبات المواضبات في هزّ البطن علاجًا للكثير من أمراض الشخصية الإسرائيلية التي تبحث عن ذاتها في هواء الشرق. ويصبح التعايش وهو حلم قديم قيد التحقيق بين العازفين العرب والراقصات اليهوديات، فيتوكل أصحاب المزاج الحسن بتجميع خيرة العازفين وأسوأ من يهز البطن من مختلف الأعمار النسائية في ليالي أنس تستمر حتى طلوع الفجر.



المخرج الإسرائيلي آفي نيشر



في نهاية فيلم "أورينتال" تفشل المفاوضات، وينجح العازفون والراقصة في حلّ الخلاف فيما بينهم، ويقدمون في النهاية العرض الراقص لما فيه مصلحة مشتركة للجميع. ويقول صالح هيبي: "إن كان السلام الذي على منصة العرض سيجلب السلام المنشود فأنا مستعد للنوم على المنصة لأجل هذا السلام"!
يبدو أن هذا ما كان ينقص صورة التعايش العربي اليهودي ولتكتمل رؤية المخرج الإسرائيلي آفي نيشر في كون الموسيقى والرقص تحقق أكثر ما تحققه المفاوضات التي لا تفعل شيئًا سوى إثارة الخلافات أكثر مما هي في واقع الحال، وان العرب هم سبب فشل الحوار، والفاهم يفهم!