22 يناير 2009





كرة في ملعب الهوية..
..................................................

لم تكن سهى عراف مخرجة فيلم "واحدة في الإجر وواحدة في القلب" تعرف شيئًا عن كرة القدم قبل أخذ القرار بتصوير الفيلم، ولكنّها كانت تعرف أنَّ قصة فريق أبناء سخنين هي أكبر من كونها لعبة كرة قدم، إنها قصة البحث عن متنفس يقول فيه العرب لأنفسهم ها نحن أفضل من اليهود؟ وينسون بعد ذلك طرح السؤال: لماذا خسرنا المعركة على الأرض؟ لتتأكد النتيجة بعد ذلك على أن هذا الفوز ما هو إلا وهْم، يريد أصحابه الاستمتاع فيه حتى النخاع، وكأنه المعركة الأولى والأخيرة.

أرادت عرَّاف أن تصنع فيلمًا عما يخصّ الأقلية العربية -كما تدرج التسمية- عبر الدخول إلى العالم الشخصي للشخصيات الرئيسية التي اختارتها لتحكي مجريات الأحداث، بأسلوب سينمائي أقرب إلى الروائي فهو ليس فيلمًا تسجيليًا فقط كونه يروي بطريقته قصة العرب الفلسطينيين في إسرائيل، وصراعهم المستميت ضد المؤسسات الصهيونية، التي لا ترى العرب وتكاد لا تسمع عنهم.

مشجعو الفريق أولا
"قُنبل" هو مشجع دائم للفريق، يتحلى بروح نكتة وسرعة خاطر كقوله بعد إحدى المباريات: "لو خسرنا كنا سنزرع الملعب بامية". وتبدو جميع شخوص الفيلم ذات نكهة خاصة، كما هي قصة فريق أبناء سخنين، الفريق المحسوب على "عرب إسرائيل"، القادر على اختراق جدار اليهودية، صفة الدولة التي يعيش فيها العرب الخاسرون في لعبة الديموقراطية الإسرائيلية، الفائزون هنا وهناك في العاب ثانوية على ملاعب الرياضة والفنون والإستعراض.
"هذا هو الفوز الثاني المهم للعرب بعد فوز صلاح الدين الأيويبي على الصليبيين" هكذا تعبر إحدى شخصيات الفيلم عن فرحتها بفوز فريق البلدة. وبقدر ما تثير هذه المقولة الضحك، بقدر ما تؤكد افتقار القدرة على تحقيق الوجود في ظل غياب معالم الهوية الفلسطينيية، بفعل التشويه الصهيوني المتعمّد. وبقدر ما يريد الكثيرون تحقيق الوجود الفلسطيني، يريد آخرون تحقيق الاندماج في انتصاراتهم الشخصية ذات الطعم الإسرائيلي!
فهل يمثل فريق أبناء سخنين العرب في إسرائيل مقابل اليهود في الدوري الإسرائيلي، أم يمثل إ
سرائيل في العالم، كحامل لكأس الدولة؟ والسؤال الأهم ماذا يريد مشجعو سخنين أن يمثلوا، هل حقًا يريدون تمثيل إسرائيل وتحقيق إنجازات إسرائيلية، أم يريدون تمثيل انفسهم فقط؟
فمن يشجع العرب حين ينافس منتخب إسرائيل فريقًا أوروبيًا؟ الفريق الإسرائيلي أم الفريق الخصم؟ هل يقابل العرب العنصرية والتمييز بالوقوف ضد رموز الدولة الصهيونية؟ هل يختلف إحياء ذكرى يوم الأرض عن الاحتفال بالفوز ببطولة إسرائيل بكرة القدم؟ هذا جزء من الأسئلة التي يحاول فيلم سهى عراف الإجابة عليها، وهو ليس بالأمر السهل خصوصًا وأن هذه الأسئلة لا ترتبط بأجوبتها، بل بأسئلة أخرى كثيرة!

الموت للعرب
لم تتلق عراف دعمًا من صناديق دعم السينما الإسرائيلية، ولكن لو حصل، فلن يغير هذا في تعريف عراف لفيلمها على أنه فلسطيني، حتى لو أنه أنتج بدعم من صناديق السينما الإسرائيلية. فقد أرادت عراف ان تصنع فيلما وفي ذهنها أن ملعب كرة القدم بات حلبة الصراع بين العرب واليهود، فلم تكن تعنيها لعبة كرة القدم بقدر ما كان يعنيها الجمهور أو هذا الكم الكبي
ر من الناس الذين يتواجدون في مكان واحد فيهتف جمهور فريق بيتار القدس "الموت للعرب" ويرد العرب: "بيتار عاهرة" وهكذا تتردد الشعارات وتنحدر إلى لغة بذيئة استعدادً للحرب على أرض الملعب على خلفية موسيقى "هتكفاه"، النشيد الوطني الإسرائيلي، وفي مشاهد أخرى تستعمل عرّاف موسيقى ذات إيقاع حربي كما في لعبة سخنين في بئر السبع، وحين تبدأ اللعبة لا تصوّر عراف اللعبة وإنما العنف الذي يرافق صراع العرب لأجل البقاء.
يتميز الفيلم بإيقاعه الخاص بسبب كونه عن كرة القدم، اللعبة السريعة، وهو أمر أدركته مخرجة الفيلم ومنفذة المونتاج ندى اليسير عن وعي، ولكنه كان اختيارًا صحيحًا، ليس فقط بسبب كونه فيلمًا عن كرة القدم وما حولها ولكن بسبب السينما الجديدة التي تمر بمرحلة المخاض، فتولد قادرة على التعبير عن هموم ومشاكل العرب الفلسطينيين الباقين في إرضهم.
سهى عراف

عرب الدولة أم عرب أنفسهم؟
يمشي الفيلم منذ البداية على مسار الخارطة التي تتداخل في مشاهد الفيلم في انتقالها من بلدة عربية إلى أخرى لتؤكد أن الحكاية ليست حكاية سخنين فقط وإنما كلّ العرب. وفي مشهد صعب ومؤثر يحمل والد أحد الشهداء صورة إبنه في ذكرى أحداث أكتوبر ولكنه يقول أنه ذاهب لمشاهدة اللعبة بعد ذلك، فهذه لعبة مصيرية أما حياة وإما موت.
فهل تقارن عراف بين مشجعي فريق سخنين والمشاركين في إحياء يوم الأرض، والمحتفلين في يوم الزفاف؟ يبدو أن الفيلم يبرز إلى إي درجة يعاني العرب من هوس النجاح وتحقيق الذات، لذلك فإنها لا تجد صعوبة بالغة في إيصال المقولة التي تراها ضرورية أكثر من غيرها؛ حالة التشوية والفوضى والبلبة والرغبة والحاجة إلى إيجاد حلول لمظاهر التمييز والعنصرية والتقتير والظلم التي يعاني منها أبطال فيلمها.

في شرك الإعلام الإسرائيلي
وبعد، فإن إقتراب الفريق من نهاية مشواره يفتح الطريق إلى طرح التساؤلات حول شرعية تمثيل كرة القدم أو عارضات الأزياء وما لفّ لفيفهم للعرب في إسرائيل، وحول محاولة المؤسسة الإسرائيلية إرضاء العرب بنصر خفيف على الطريقة الإسرائيلية، فيحققون النصر والمساواة! ويحققون وهْم وجودهم بمجرد إفساح وسائل الإعلام مساحة، تزداد في الآونة الأخيرة بسبب رغبة أصحاب الأموال من مالكي شركات الانتاج والقنوات جذب أكبر عدد من المشاهدين والمُعلنين، فالعربي الذي كان لفترة طويلة في الظل بات السلعة الرابحة الجديدة، وكأنه -تخيلوا- كائن غريب أصطاده الإسرائيلي من أدغال الشرق وقال: تعالوا، إدفعوا وتفرجوا!